الثلاثاء، ٨ فبراير ٢٠١١

وذكرهم بأيام الله.....الجزء الثاني


رؤيتي للأستاذ


بسم الله الرحمن الرحيم
" وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم،
ولا تكونوا أول كافر به "
صدق الله العظيم

" ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"
صدق الله العظيم

رؤيتي للأستاذ رؤية قبلية قد جعلها ربي حقا !!
" يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "

رؤية الفؤاد لا تكذب لأنها نزلة أخري، عند مكان يأوي
إليه العارفون، عند نهاية سدرة الفكر!!
" ما كذب الفؤاد ما رأي، أفتمارونه علي ما يري، ولقد رآه نزلة أخري، عند سدرة المنتهي، عندها جنة المأوي "

إلى حضرة أخينا المحبوب الدكتور مصطفي الجيلي

زاده الله علما وفضلا، وحقق له اسمه، بالاصطفاء إلى شمس الأبدية، شمس الجيلي، التي لا تأفل!! السر في أبدية الجيلي، أن الجيلي، كان يرضي بالإرادة الالهية العليا، بل كان يرتع في ميادين الرضا، ولذلك فانه لم يفتتن بالإرادة البشرية الدنيا!! فنال الجيلي بالرضا بالله، مكانة لا توهب!! والجيلي من القلة النادرة، من خاصة الأولياء المحمديين، المستثنيين ، من طريق التصوف العام، وقد شعر هو بذلك، أليس هو القائل:

أفلت شموس الأولين وشمسنا
أبدا علي فلك العلا لا تغرب
ما زلت أرتع في ميادين الرضا
حتى وهبت مكانة لا توهب


لك منا جزيل الشكر، وعظيم الامتنان، لمبادرتك الكريمة، في الاتصال بنا، ولن تكون عاقبة ذلك إلا خيرا، فان من كان يبحث عن الحق لا يخيب أبدا!! ولكن لكتابك أجل، ولكتابي أجل، فان الله قد فتح أبواب السماء بماء منهمر، ولكن الماء لا ياتقي إلا علي أمر قد قدر!! والنجاة ليست بيدك، وليست بيدي، ولكنها حظ كل من حمله الله علي ذات ألواح ودسر.
ثم إنني أحمد لك، ما أعلنته بصراحة عن رأيك، في أمرنا، فهذا من حقك، ولا يطعن في هذا أنك قد أغمضت حقنا، وألمحت إلى أننا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض!! ولا تثريب عليك، فان الشيطان قد نزغ بيني وبين اخوتي، ولكن مع كل قدر لطف، ومع كل علم متشابه ، حكم محكم "إن ربي لطيف لما يشاء، انه هو العليم الحكيم " بل فوق كل غضب رحمة: " سبقت رحمتي غضبي " كما هو وارد في الأثر القدسي.
والآن فلنلقي شيئا من الضوء علي ما تقول:
أنت تقول، أن بدر الدين يختلف، مع الأستاذ، في موضوع الأصالة، أو في كل شئ!! كما هو مفهوم من عبارتك: " ومن ثم يمكن القول في كل شئ "
إن قولك هذا غير صحيح، بكل جزم و تأكيد، بل هو عكس ما عليه واقع الأمر‍‍،‍‍ ولكن ليس هناك من سبيل، لتصحيحه في هذا المقام. لذا فاني سأقول لك قولا ميسورا، وقبل أن أشرع في القول، أحب أن ألفت نظرك الكريم إلى انك تقول :
" كيف يجوز أن يأخذ بدر الدين عن الأستاذ جوهر ما يتحدث عنه عن الدين والقرآن وما يشكل لب تفكيره ثم يكون علي هذا الخلاف العقائدي الجوهري؟؟ "
فإذا كان بدر الدين يستطيع أن يأخذ من الأستاذ لب تفكيره، وجوهر ما يتحدث عنه، علي حد تعبيرك، فان النتيجة المنطقية، إلا يكون بدر الدين مختلفا مع الأستاذ.
أنا اعلم أنك، تريد أن تقول أن هناك تناقضا واختلافا، ولكنك من حيث لا تشعر قد أثبت الاتفاق، لأن الأمر كله في اللب والجوهر. وأحب أن أطمئنك أيها الأخ الكريم، انه لا توجد قوة في هذا الكون تستطيع أن تفرق بيني وبين الأستاذ، لأن ما ربط في السماء لا يحل في الأرض!!
وليس هناك مسألة شخصية، وانما هي مسألة عامة، فأنت لا تستطيع أن تفرق، بين موسى وعيسي، ولا بين عيسي ومحمد!! ولكن اليهود يؤمنون بموسى ويكفرون بعيسي، والنصارى يؤمنون بعيسي ويكفرون بمحمد، بل إن السلفيين، لا يرون وجود أية علاقة بين النبي العظيم والأستاذ الجليل!! ولكن هل يغير هذا في الحقيقة شيئا؟ إن اليهود والنصارى والمسلمين، كلهم جميعهم مقلدون، وليس برأي المقلد، عبرة في موضوع الأصالة، والصلة بالله، لأن المقلد، هنا يتحدث عما لا يعرف، آمن أم كفر!!
ومهما يكن من أمر، فانك حاولت حل العلاقة بيني وبين الأستاذ، فربطتها من حيث لا تشعر، أو قل ربطها الرحمن، الذي علم القرآن!! وفوق هذا وذاك فان الأمر ليس أمر عقيدة، كما نبهك إلى ذلك صديقك وصديقنا النذير، جزاه الله الجزاء الأوفى، وأعطاه الكثير من غير تقتير.

الأصالة موجودة قبل ميلاد المسيح
رغم الوشيجة الواشجة، التي تلحمني بالأستاذ، في عروة وثقي لا تنفصم، فإنني لا أنتحل شخصية الأستاذ، ولا أدعي أنني أتحدث باسمه الشريف، بل أن الأصالة نفسها تعني الاستقلال، عن الأستاذ. ولعله قد بات مفهوما، أنني لا أدعو للمذهبيه الجمهورية، التي كان يدعو لها الأستاذ، نزولا لحكم الوقت، ومراعاة للمستوي العقائدي للمخاطبين.
الأصالة ليست فكرة أخترعها الأستاذ، ولو كانت كذلك لكانت أمرا محدثا طارئا!! الأصالة هي الوجود!! هي الحقيقة!! و لا يوجد شخص ما يخترع الحقيقة، أو يخترع الوجود، ولو فعل، فانه يكون واهما!!
الأصالة موجودة قبل ميلاد المسيح، بل قبل ميلاد إبراهيم، وقد كتبت حولها مئات المجلدات، واسمها " موكشا " و " النيرفانا" و " الافتارا" واسمها ال " هنا والآن " واسمها" اللحظة الحاضرة " و اسمها " تحقيق الذات" واسمها " الفردية "، بل اسمها" الأصالة"!!
وتجد كل ذلك مبذولا ، ومترجما عن اللغة السانسكريتية، إلى اللغة الإنجليزية، بالكلمات التالية،:

Here and now, the present moment, self realization, individuality, originality

وليست المسالة في الكلمات، وانما في وحدة المحتوي، ووحدة المعني، ووحدة الدلالة!! فما الجديد إذن؟
الجديد هو تحقيق الأستاذ للأصالة، في إبداع واقتدار!! الجديد هو تجلي الله علي الأستاذ، ومعيشة الأستاذ لذلك التجلي، في كل لحظة من لحظات حياته العامرة الشريفة!!
أكثر من هذا فان القرآن كله موجود في الصحف الأولى!! فما الجديد إذن؟
الجديد هو التحقيق المحمدي، في إبداع واقتدار!! الجديد هو تجلي الله علي محمد، ومعيشة محمد لذلك التجلي، والتعبير عنه بلسان عربي مبين، في أصالة وتفرد.
ولعلك تعلم، أن كل الحنفاء،فيما خلا ورقة بن نوفل وأويس القرني، قد كفروا بمحمد، وظنوه رجلا بليغا يتلاعب بالكلمات، يريد أن يتفضل بها عليهم.
نسبة للدقة العرفانية، في الموضوع، فان أويس القرني لم يحضر إلى المدينة، خشية أن ينكشف سر محمد، ولقد سمعت الأستاذ يذكر ذلك مرارا، ولكن أين من يسمع أين؟

ما هو الأصل في الرسالة الثانية؟

أعلم أيها الأخ الكريم، أن الأصل في الرسالة الثانية هو: " الحيوية والتطور والتجدد، وعلي السالك في مراقيها، أن يجدد حياة فكره، وحياة شعوره، كل يوم، بل كل لحظة، من كل يوم، وكل ليلة "
لقد استمد الأستاذ الجليل قوله: " الحيوية " من القول المبارك: " أو من كان ميتا فأحييناه " وقد استمد الأستاذ الجليل قوله: " والتطور " من القول المبارك: " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " وهذا هو التجدد ، طورا بعد طور، بمصاقبة شأن العبد، لشأن الرب!!العبد، أعني العبد، الذي يتلو القرآن، آناء الليل، وأطراف النهار، تلاوة منه، أي من الله: " وما تكون في شأن، وما تتلو منه من قرآن" الرب، أعني الرب الواحد، الذي لا يقول بتكرار الوجود، و لا عود التجلي: " كل يوم هو في شأن "
والجديد، بالطبع خلاف القديم، وإلا ما كان جديدا!! ومن هنا كان اللبس: " بل هم في لبس، من خلق جديد "
ليس معني هذا أن كل جديد صحيح، ولكن معناه أن الصحيح، لا بد أن يكون جديدا.
هذا هو الأصل في الرسالة الثانية،كما قرره الأستاذ بالنص!! أما الفرع فهو كل ماعدا ذلك، كما هو مفهوم ضمنا من عبارة الأستاذ، هذا إن لم نقل لك،أن هذا هو المفهوم، كشفا وفتحا.



الأستاذ لم يكن شاكا، وما ينبغي له، وما يستطيع!!

لقد فهمت من حديثك، عن المكر الإلهي - وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئا- أنك تعتقد أن الأستاذ، قد كان علي تشكك، وعلي حذر، وكذلك كان النبي الكريم!! فإذا كان ذلك كذلك، فان المصيبة عظيمة ، ولكن الصبر أعظم، فلله ما أعطي ولله ما أخذ!!
أعلم ، أيها الأخ الكريم ، إن الأستاذ كان وما يزال سائرا خلف الله، وهذا هو مجده، وهذا هو ملكه!! فهو لا يأخذ، إلا ما أخذ الله!! لذلك فان الأستاذ، لا يأخذ إلا من وجد متاعه عنده، وليس للأستاذ متاع، إلا الله!! فمن كان يظن أن متاع الأستاذ هو الشك، فقد طال ليله!!
من المعلوم عندنا، أن كثيرا من أصحابنا الجمهوريين، يقولون بعودة الأستاذ مرة اخري إلى الحياة الدنيا!! هذا قول ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر رجما بالغيب!! هذا القول، يعني- أراد أصحابه أم لم يردوا- أن الصورة التي ظهر بها الأستاذ، لم تكن كاملة، فهو قد كان يشك، أنه الأصيل الواحد!! وهو لم يكن ملكا، وهو قد ذهب للآخرة، ليكمل، ويعود ملكا متوجا علي كل الأرض،و يجعلهم أمراء، في جنة دنيوية، بعد أن يقهر لهم أعداءهم!!
الشك ليس عند الأستاذ، وانما عند الجمهوريين، وقد ظهر مصداق ذلك عمليا، في يوم 18 يناير المجيد!! وقد أوضحنا ذلك من قبل، فلتلتمسه في مظانه، إن كنت تريد.


الكامل هو من رضي بما قسمه الله له
ولم يتمن غير الحالة التي هو عليها!!

هل تريد الحق؟
لقد كان الأستاذ كاملا، كل الكمال، وبهيا كل البهاء، وهو في بيت الطين، متحليا بثوب اليقين، وموشحا بالخلق العظيم، في كرمه الفياض، ونوره المفاض، وسكونه الذي يخلب الألباب!! وقلبه الأبيض، وعلمه الذي لا ينضب، علم أخ النبي، المستمد من مشكاة الولي: " إن ولي الله الذي نزل الكتاب "
لقد كان الأستاذ مسكينا يحب المساكين، وكذلك كان محمد!! وسيأتي من بعدهم أحبابهم مساكين ومتواضعين، بلا مقامات، وبلا درجات!! منارات بلا علامات!! رسلا وتريين، من غير اتباع!! " ثم أرسلنا رسلنا تترا " وسوف يطردهم سدنة القديم، وسيقولون إفك قديم، وسيقولون لن نؤمن بكل من يقف بين يدي القرآن في اللحظة الحاضرة، في تأمل وخشوع:" لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه "
ولكن الرسل الوتريين، يحبون أعداءهم،و يباركون لاعنيهم، و يصلون من أجل الذين يسيئون إليهم ويطردونهم!! بل انهم لا يعادون أحدا، ولكن البعيد يصور نفسه عدوا!!
أما الذين يزعمون اليوم، أنهم يمثلون خط الأستاذ، فانهم يعترفون، بأنهم كانوا يجهلون خط الأستاذ، يوم 18 يناير المجيد!! ولكن هذا اعتراف لا تزينه فضيلة الاعتراف!! إذ ما الذي يجعلهم يعرفون خط الأستاذ اليوم، وهم كانوا يجهلونه يوم18 يناير، والأستاذ بين ظهرانيهم!!
يكفي أن نقول، أنهم إلى الآن، لم يرضوا بقضاء الله، فهم يقولون، كما قال عمر، إن رسول الله ذهب ليكلم ربه، ويعود بعد أربعين يوما ليقطع، السنة رجال من المنافقين، زعموا أن محمدا قد مات!! ولكنهم لا يملكون فضيلة عمر الذي رجع إلى الحق، عندما ذكر به، فرجع ولم يتخذ من عجزه فضيلة!!
أعلم أيها الأخ الكريم: فقد قضي الله أن يقبض الأستاذ إليه معززا مكرما، مقتولا مظلوما، حتى يتم القول القديم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم، ومن ينقلب علي عقبيه، فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين "
أما بعد:
فقد مات محمد، وقد قتل محمود!! وبذلك صدق الكريم الودود!! ولعلك تذكر، أن الأستاذ قد صدر ديباجته العظيمة، بالآية أعلاه، لأنه أراد أن ينعي نفسه الشريفة، فهو يعلم أن قومه مذهولون عن ذلك!!
لم يشيع الأستاذ أحد، وانما شيعه، أهل الباطن، جنود الرحمن: " وأيده بجنود لم تروها "
لم يكفن الأستاذ أحد، لأنه كان مكفنا، بورق المصحف!!

واحبواه الأكفان من ورق المصحف
كبرا عن أنفس الأبراد


إن الأستاذ أعظم من أن يكون ملكا، علي دنيانا الفانية!! هو أعظم من ذلك بكثير، والذين يريدون له، أن يعود من حضرة القدس، ومن خلوة القبر، لا يريدون ما أراد الله!! وانما يريدون ملكا، من ملوك الدنيا، يحكم هذا العالم.
انهم معذورون، لأنهم يظنون أن الدنيا كل شئ!! أحب أن أهمس في أذنك، أن وجود كل واحد منا، لفترة محدودة، في هذه الدنيا الفانية، إنما هو وجود مرحلي، ويستحيل علي المرحلي المؤقت ، أن يكون مركزا، يحدد مسيرة الكون. أكثر من هذا أن البشرية ذاتها مسألة مرحلية، سرعان ما تزول، لأن حياتنا الراهنة هي البرزخ، الذي سرعان ما يزول بالموت الحسي!! فان كنت في شك مما نقول، فاسمع قول الأستاذ: " وأما عالم البرزخ، فهو عالم المنزلة بين المنزلتين-عالم مرحلي- وهذا هو عالم الإنسان الحاضر، الذي نعيش نحن الآن في أخريا ت أطواره، كما سلفت إلى ذلك الإشارة "
لذلك فان العارف، في يوم الموت الحسي، يتخلص من جسده، كما يتخلص أحدنا من القميص البالي،أو قل يتخلص من القوقعة، كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية، علي حد تعبير الأستاذ!!
والغريب في الأمر أن هذا الذي يقوله الأستاذ مكتوب، في الكتب القديمة، قبل ميلاد المسيح!! وهو يعادل الآية رقم 22 من الفصل الثاني بعنوان يوغا المعرفة، في كتاب الجيتا الفرد المسمي بأغنية الرب،والملقب بأنشودة الأناشيد.
وليس معني هذا أن الأستاذ كان ينقل من الكتب القديمة، ولكن معناه ، أن الحقيقة واحدة!! وان المعلم واحد!! كما كان يقول الأستاذ مرارا وتكرارا، ولكن أين من يسمع أين؟
الأستاذ لا ينقل من أحد، ولكنه يقرأ ما كتبه قلبه علي صفحات عقله!! فيطابق ذلك الكتب القديمة ، فهو طبق النصوص عند أهل الخصوص.

الطريق العملي هو طريق النموذج الفردي
والوصول الي الله حق لمطلق انسان
هل تريد الحق؟

إن الأستاذ هو النموذج الكامل، لاتباع العقيدة الإسلامية، في دورة جديدة من دورات الوجود، وهو هو النموذج الجمهوري المكتوب، في أسس دستور السودان: " بخلق النموذج الجمهوري. هذا يعني المسلم الصحيح الإسلام، المسلم ذا القلب السليم، والذهن الصافي... وبإشاعة هذا النموذج في الناس، فان القدرة ستمكن الجمهوريين "
غني عن البيان، أن النموذج لا يكتمل إلا بالموت الحسي، لأن هذه الدورة هي دورة الموت والحياة، وغني عن البيان أيضا، أن المسلم الصحيح الإسلام، ليس هو المقلد، وانما هو الأستاذ الذي عاش حياة السعداء، حياة من أحب الله بقاءه، ومات ميتة الشهداء، ميتة من أحب الله لقاءه!!
الأستاذ لم يكن شاكا، فهو قد كان علي ثقة بربه، وعلي يقين بدعوته، بل انه لم يتنازل عن حريته، وعن أصالته، ولم يرجع للتقليد، يوم نصبت له المشانق!! هذا هو النموذج، وسيشيع هذا النموذج في الناس، بقدرة الله، التي أشار إليها الأستاذ ب " القدرة ". المطلوب أن يحقق كل فرد أصالته، وحريته، وهذا هو الطريق العملي، الذي يملكه كل فرد.
روح الله منفوخ في مطلق إنسان، وطالما أن الله قد خلقك فهو يهديك بنفس القدر: " الذي خلقني فهو يهديني" والفرق بينك وبين الأستاذ، إن الأستاذ يشعر بروح الله المنفوخ فيه، وأنت لا تشعر!! وليس هذا بالفرق البسيط، كما قد يتبادر إلى البعض.انه الفرق بين السماء والأرض!!
ومهما يكن من أمر،فأنت يمكن أن تملك أمر نفسك، ولكنك لا تستطيع أن تملك أمر المجتمع. أمر المجتمع يتم، بتكاثر وجود الأفراد الأحرار، لأن المجتمع، ليس شيئا، سوي مجموع الأفراد، وما يحكمهم من علاقات!! والتشريع والتقنين، إنما يكون علي مستوي المجتمع.
إذن لا عبرة بالحديث عن التشريع للمجتمع، من غير تغيير الأفراد. وتغيير الأفراد يبدأ بك وبي، ان كنت جادا في ذلك. أما البقية، فهي ليست بقدرتك، وليست بقدرتي، وليست بقدرة أصحاب النظريات الذين يقولون في الدين بالرأي، رغم ظهور بطلان هذا الرأي، ظهورا قاطعا في يوم 18 يناير المجيد. وحتى بعد مرور ما يقرب من العشرين عاما بعد 18 يناير، فان نظرياتهم لم تفعل شيئا، ويقينا أنها لن تفعل شيئا، في يوم من الأيام، ولو كانت تفعل، لكان إخواننا من اليهود أولي الناس بذلك، فقد انتظروا آلاف السنين.أو ليس اليهود هم أبناء إبراهيم، وسلالة الأنبياء، وخلاصة الحنفاء!! ولكن سقط ذكرهم، لأنهم استكبروا بالنصوص، فأنكروا أهل الخصوص!! سطروا الكتب في المسيح، ولكنهم قتلوا المسيح!!


التقليد عقبة!!

ان كل من يطلع علي حقائق الدين، يعلم أن التقليد عقبة، ولقد ذكر ذلك الأستاذ ، في كتابه بيننا وبين محكمة الردة، حيث ذكر صراحة، أن النبي لم يكن مقلدا لأحد، ولذلك لم تواجهه، عقبة التقليد، وانما تواجه عقبة التقليد الأمة من ورائه. إذن كلما نهضت الأمة، فإنها تواجه بعقبة التقليد.
أما إذا كانت الأمة راكدة، كما هو الحال الآن، فإنها لا تواجه بعقبة التقليد، بل إنها تري التقليد كمالا. وهذا هو بعض السر، أن الأستاذ قد أقام الجمهوريين مرحليا، في مقام التقليد. لذلك فان من يتحدث عن الأصالة، وهو في مقام التقليد، فذلك من الشهوة الخفية!! ومن تمسك بالتقليد، وهو في مقام الأصالة، فقد سقط عن الهمة العلية!!
ان المقلد يستحيل في حقه، أن يلاقي الله كفاحا، لأنه مشفوع بالحضرة النبوية، ومحجوب بالحجاب النبوي.
ليس معني هذا أننا ندعو المسلمين ليتركوا التقليد، لأننا نعلم أن الذي لم يصل خلف الله، يمكن أن يصلي مع النبي: " ولتأت طائفة أخري لم يصلوا، فليصلوا معك " لأنهم في حالة خوف، ولان صلاة النبي سكن لهم: " إن صلاتك سكن لهم "
إن الذي يعترف، بأنه في مرحلة التقليد، قد حرم نفسه من الحديث في الأصالة، فان تحدث، فانه يتحدث فيما لا يعلم. لذا فان القول بأننا نخالف الأستاذ، في موضوع الأصالة، ليس به عبرة، طالما أن المتحدث من المقلدين.
إن الأمر يحتاج إلى صبر وأناة، لأنه يتعلق بدقائق حقائق الدين.
إن سقوط التقليد، يقع في أخريات السير، بل إن سقوط التقليد، في أخريات السير أمر لا مناص منه، كما قرر الأستاذ بالنص الصريح.
فإذا لم يكن ذلك كذلك، فعلي أي أساس ترك الأستاذ التقليد؟ قطعا، إن الجمهوريين لا يستطيعون الإجابة علي هذا السؤال، إلا بالتخمين!! كأن يقول بعضهم أن الأستاذ، سيعود مرة أخري!! أذن فهم كانوا يعلمون ب 18 يناير قبل أن يقع !! ان مثل هذا القول، لم يكن موجودا في الفكرة من قبل، وهو بكل تأكيد ليس خطها!!!!
هذا هو بعض السر في أن كبار العارفين بالفكرة لا يدعون إليها، وانما يطبقون ما يعلمون في أنفسهم، دون دعوة لأحد، وحسبهم هذا علما وشرفا. هم يعلمون أن هناك أسئلة بلا أجوبة!! وهم يعلمون أن هناك عقبات طوال، لابد أن تجتاز قبل الشروع في أي عمل.
إن كنت تريد أن تعلم فاعلم ، أن ذكر الله نفسه، لا يكون إلا بعد انقضاء صلاة التقليد: "فإذا قضيتم الصلاة، فاذكروا الله "

نواصل...