الثلاثاء، ٨ فبراير ٢٠١١

وذكرهم بأيام الله.....الجزء الثاني


رؤيتي للأستاذ


بسم الله الرحمن الرحيم
" وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم،
ولا تكونوا أول كافر به "
صدق الله العظيم

" ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم، وكانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"
صدق الله العظيم

رؤيتي للأستاذ رؤية قبلية قد جعلها ربي حقا !!
" يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا "

رؤية الفؤاد لا تكذب لأنها نزلة أخري، عند مكان يأوي
إليه العارفون، عند نهاية سدرة الفكر!!
" ما كذب الفؤاد ما رأي، أفتمارونه علي ما يري، ولقد رآه نزلة أخري، عند سدرة المنتهي، عندها جنة المأوي "

إلى حضرة أخينا المحبوب الدكتور مصطفي الجيلي

زاده الله علما وفضلا، وحقق له اسمه، بالاصطفاء إلى شمس الأبدية، شمس الجيلي، التي لا تأفل!! السر في أبدية الجيلي، أن الجيلي، كان يرضي بالإرادة الالهية العليا، بل كان يرتع في ميادين الرضا، ولذلك فانه لم يفتتن بالإرادة البشرية الدنيا!! فنال الجيلي بالرضا بالله، مكانة لا توهب!! والجيلي من القلة النادرة، من خاصة الأولياء المحمديين، المستثنيين ، من طريق التصوف العام، وقد شعر هو بذلك، أليس هو القائل:

أفلت شموس الأولين وشمسنا
أبدا علي فلك العلا لا تغرب
ما زلت أرتع في ميادين الرضا
حتى وهبت مكانة لا توهب


لك منا جزيل الشكر، وعظيم الامتنان، لمبادرتك الكريمة، في الاتصال بنا، ولن تكون عاقبة ذلك إلا خيرا، فان من كان يبحث عن الحق لا يخيب أبدا!! ولكن لكتابك أجل، ولكتابي أجل، فان الله قد فتح أبواب السماء بماء منهمر، ولكن الماء لا ياتقي إلا علي أمر قد قدر!! والنجاة ليست بيدك، وليست بيدي، ولكنها حظ كل من حمله الله علي ذات ألواح ودسر.
ثم إنني أحمد لك، ما أعلنته بصراحة عن رأيك، في أمرنا، فهذا من حقك، ولا يطعن في هذا أنك قد أغمضت حقنا، وألمحت إلى أننا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض!! ولا تثريب عليك، فان الشيطان قد نزغ بيني وبين اخوتي، ولكن مع كل قدر لطف، ومع كل علم متشابه ، حكم محكم "إن ربي لطيف لما يشاء، انه هو العليم الحكيم " بل فوق كل غضب رحمة: " سبقت رحمتي غضبي " كما هو وارد في الأثر القدسي.
والآن فلنلقي شيئا من الضوء علي ما تقول:
أنت تقول، أن بدر الدين يختلف، مع الأستاذ، في موضوع الأصالة، أو في كل شئ!! كما هو مفهوم من عبارتك: " ومن ثم يمكن القول في كل شئ "
إن قولك هذا غير صحيح، بكل جزم و تأكيد، بل هو عكس ما عليه واقع الأمر‍‍،‍‍ ولكن ليس هناك من سبيل، لتصحيحه في هذا المقام. لذا فاني سأقول لك قولا ميسورا، وقبل أن أشرع في القول، أحب أن ألفت نظرك الكريم إلى انك تقول :
" كيف يجوز أن يأخذ بدر الدين عن الأستاذ جوهر ما يتحدث عنه عن الدين والقرآن وما يشكل لب تفكيره ثم يكون علي هذا الخلاف العقائدي الجوهري؟؟ "
فإذا كان بدر الدين يستطيع أن يأخذ من الأستاذ لب تفكيره، وجوهر ما يتحدث عنه، علي حد تعبيرك، فان النتيجة المنطقية، إلا يكون بدر الدين مختلفا مع الأستاذ.
أنا اعلم أنك، تريد أن تقول أن هناك تناقضا واختلافا، ولكنك من حيث لا تشعر قد أثبت الاتفاق، لأن الأمر كله في اللب والجوهر. وأحب أن أطمئنك أيها الأخ الكريم، انه لا توجد قوة في هذا الكون تستطيع أن تفرق بيني وبين الأستاذ، لأن ما ربط في السماء لا يحل في الأرض!!
وليس هناك مسألة شخصية، وانما هي مسألة عامة، فأنت لا تستطيع أن تفرق، بين موسى وعيسي، ولا بين عيسي ومحمد!! ولكن اليهود يؤمنون بموسى ويكفرون بعيسي، والنصارى يؤمنون بعيسي ويكفرون بمحمد، بل إن السلفيين، لا يرون وجود أية علاقة بين النبي العظيم والأستاذ الجليل!! ولكن هل يغير هذا في الحقيقة شيئا؟ إن اليهود والنصارى والمسلمين، كلهم جميعهم مقلدون، وليس برأي المقلد، عبرة في موضوع الأصالة، والصلة بالله، لأن المقلد، هنا يتحدث عما لا يعرف، آمن أم كفر!!
ومهما يكن من أمر، فانك حاولت حل العلاقة بيني وبين الأستاذ، فربطتها من حيث لا تشعر، أو قل ربطها الرحمن، الذي علم القرآن!! وفوق هذا وذاك فان الأمر ليس أمر عقيدة، كما نبهك إلى ذلك صديقك وصديقنا النذير، جزاه الله الجزاء الأوفى، وأعطاه الكثير من غير تقتير.

الأصالة موجودة قبل ميلاد المسيح
رغم الوشيجة الواشجة، التي تلحمني بالأستاذ، في عروة وثقي لا تنفصم، فإنني لا أنتحل شخصية الأستاذ، ولا أدعي أنني أتحدث باسمه الشريف، بل أن الأصالة نفسها تعني الاستقلال، عن الأستاذ. ولعله قد بات مفهوما، أنني لا أدعو للمذهبيه الجمهورية، التي كان يدعو لها الأستاذ، نزولا لحكم الوقت، ومراعاة للمستوي العقائدي للمخاطبين.
الأصالة ليست فكرة أخترعها الأستاذ، ولو كانت كذلك لكانت أمرا محدثا طارئا!! الأصالة هي الوجود!! هي الحقيقة!! و لا يوجد شخص ما يخترع الحقيقة، أو يخترع الوجود، ولو فعل، فانه يكون واهما!!
الأصالة موجودة قبل ميلاد المسيح، بل قبل ميلاد إبراهيم، وقد كتبت حولها مئات المجلدات، واسمها " موكشا " و " النيرفانا" و " الافتارا" واسمها ال " هنا والآن " واسمها" اللحظة الحاضرة " و اسمها " تحقيق الذات" واسمها " الفردية "، بل اسمها" الأصالة"!!
وتجد كل ذلك مبذولا ، ومترجما عن اللغة السانسكريتية، إلى اللغة الإنجليزية، بالكلمات التالية،:

Here and now, the present moment, self realization, individuality, originality

وليست المسالة في الكلمات، وانما في وحدة المحتوي، ووحدة المعني، ووحدة الدلالة!! فما الجديد إذن؟
الجديد هو تحقيق الأستاذ للأصالة، في إبداع واقتدار!! الجديد هو تجلي الله علي الأستاذ، ومعيشة الأستاذ لذلك التجلي، في كل لحظة من لحظات حياته العامرة الشريفة!!
أكثر من هذا فان القرآن كله موجود في الصحف الأولى!! فما الجديد إذن؟
الجديد هو التحقيق المحمدي، في إبداع واقتدار!! الجديد هو تجلي الله علي محمد، ومعيشة محمد لذلك التجلي، والتعبير عنه بلسان عربي مبين، في أصالة وتفرد.
ولعلك تعلم، أن كل الحنفاء،فيما خلا ورقة بن نوفل وأويس القرني، قد كفروا بمحمد، وظنوه رجلا بليغا يتلاعب بالكلمات، يريد أن يتفضل بها عليهم.
نسبة للدقة العرفانية، في الموضوع، فان أويس القرني لم يحضر إلى المدينة، خشية أن ينكشف سر محمد، ولقد سمعت الأستاذ يذكر ذلك مرارا، ولكن أين من يسمع أين؟

ما هو الأصل في الرسالة الثانية؟

أعلم أيها الأخ الكريم، أن الأصل في الرسالة الثانية هو: " الحيوية والتطور والتجدد، وعلي السالك في مراقيها، أن يجدد حياة فكره، وحياة شعوره، كل يوم، بل كل لحظة، من كل يوم، وكل ليلة "
لقد استمد الأستاذ الجليل قوله: " الحيوية " من القول المبارك: " أو من كان ميتا فأحييناه " وقد استمد الأستاذ الجليل قوله: " والتطور " من القول المبارك: " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " وهذا هو التجدد ، طورا بعد طور، بمصاقبة شأن العبد، لشأن الرب!!العبد، أعني العبد، الذي يتلو القرآن، آناء الليل، وأطراف النهار، تلاوة منه، أي من الله: " وما تكون في شأن، وما تتلو منه من قرآن" الرب، أعني الرب الواحد، الذي لا يقول بتكرار الوجود، و لا عود التجلي: " كل يوم هو في شأن "
والجديد، بالطبع خلاف القديم، وإلا ما كان جديدا!! ومن هنا كان اللبس: " بل هم في لبس، من خلق جديد "
ليس معني هذا أن كل جديد صحيح، ولكن معناه أن الصحيح، لا بد أن يكون جديدا.
هذا هو الأصل في الرسالة الثانية،كما قرره الأستاذ بالنص!! أما الفرع فهو كل ماعدا ذلك، كما هو مفهوم ضمنا من عبارة الأستاذ، هذا إن لم نقل لك،أن هذا هو المفهوم، كشفا وفتحا.



الأستاذ لم يكن شاكا، وما ينبغي له، وما يستطيع!!

لقد فهمت من حديثك، عن المكر الإلهي - وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئا- أنك تعتقد أن الأستاذ، قد كان علي تشكك، وعلي حذر، وكذلك كان النبي الكريم!! فإذا كان ذلك كذلك، فان المصيبة عظيمة ، ولكن الصبر أعظم، فلله ما أعطي ولله ما أخذ!!
أعلم ، أيها الأخ الكريم ، إن الأستاذ كان وما يزال سائرا خلف الله، وهذا هو مجده، وهذا هو ملكه!! فهو لا يأخذ، إلا ما أخذ الله!! لذلك فان الأستاذ، لا يأخذ إلا من وجد متاعه عنده، وليس للأستاذ متاع، إلا الله!! فمن كان يظن أن متاع الأستاذ هو الشك، فقد طال ليله!!
من المعلوم عندنا، أن كثيرا من أصحابنا الجمهوريين، يقولون بعودة الأستاذ مرة اخري إلى الحياة الدنيا!! هذا قول ظاهره الإيمان، وباطنه الكفر رجما بالغيب!! هذا القول، يعني- أراد أصحابه أم لم يردوا- أن الصورة التي ظهر بها الأستاذ، لم تكن كاملة، فهو قد كان يشك، أنه الأصيل الواحد!! وهو لم يكن ملكا، وهو قد ذهب للآخرة، ليكمل، ويعود ملكا متوجا علي كل الأرض،و يجعلهم أمراء، في جنة دنيوية، بعد أن يقهر لهم أعداءهم!!
الشك ليس عند الأستاذ، وانما عند الجمهوريين، وقد ظهر مصداق ذلك عمليا، في يوم 18 يناير المجيد!! وقد أوضحنا ذلك من قبل، فلتلتمسه في مظانه، إن كنت تريد.


الكامل هو من رضي بما قسمه الله له
ولم يتمن غير الحالة التي هو عليها!!

هل تريد الحق؟
لقد كان الأستاذ كاملا، كل الكمال، وبهيا كل البهاء، وهو في بيت الطين، متحليا بثوب اليقين، وموشحا بالخلق العظيم، في كرمه الفياض، ونوره المفاض، وسكونه الذي يخلب الألباب!! وقلبه الأبيض، وعلمه الذي لا ينضب، علم أخ النبي، المستمد من مشكاة الولي: " إن ولي الله الذي نزل الكتاب "
لقد كان الأستاذ مسكينا يحب المساكين، وكذلك كان محمد!! وسيأتي من بعدهم أحبابهم مساكين ومتواضعين، بلا مقامات، وبلا درجات!! منارات بلا علامات!! رسلا وتريين، من غير اتباع!! " ثم أرسلنا رسلنا تترا " وسوف يطردهم سدنة القديم، وسيقولون إفك قديم، وسيقولون لن نؤمن بكل من يقف بين يدي القرآن في اللحظة الحاضرة، في تأمل وخشوع:" لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه "
ولكن الرسل الوتريين، يحبون أعداءهم،و يباركون لاعنيهم، و يصلون من أجل الذين يسيئون إليهم ويطردونهم!! بل انهم لا يعادون أحدا، ولكن البعيد يصور نفسه عدوا!!
أما الذين يزعمون اليوم، أنهم يمثلون خط الأستاذ، فانهم يعترفون، بأنهم كانوا يجهلون خط الأستاذ، يوم 18 يناير المجيد!! ولكن هذا اعتراف لا تزينه فضيلة الاعتراف!! إذ ما الذي يجعلهم يعرفون خط الأستاذ اليوم، وهم كانوا يجهلونه يوم18 يناير، والأستاذ بين ظهرانيهم!!
يكفي أن نقول، أنهم إلى الآن، لم يرضوا بقضاء الله، فهم يقولون، كما قال عمر، إن رسول الله ذهب ليكلم ربه، ويعود بعد أربعين يوما ليقطع، السنة رجال من المنافقين، زعموا أن محمدا قد مات!! ولكنهم لا يملكون فضيلة عمر الذي رجع إلى الحق، عندما ذكر به، فرجع ولم يتخذ من عجزه فضيلة!!
أعلم أيها الأخ الكريم: فقد قضي الله أن يقبض الأستاذ إليه معززا مكرما، مقتولا مظلوما، حتى يتم القول القديم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم، ومن ينقلب علي عقبيه، فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين "
أما بعد:
فقد مات محمد، وقد قتل محمود!! وبذلك صدق الكريم الودود!! ولعلك تذكر، أن الأستاذ قد صدر ديباجته العظيمة، بالآية أعلاه، لأنه أراد أن ينعي نفسه الشريفة، فهو يعلم أن قومه مذهولون عن ذلك!!
لم يشيع الأستاذ أحد، وانما شيعه، أهل الباطن، جنود الرحمن: " وأيده بجنود لم تروها "
لم يكفن الأستاذ أحد، لأنه كان مكفنا، بورق المصحف!!

واحبواه الأكفان من ورق المصحف
كبرا عن أنفس الأبراد


إن الأستاذ أعظم من أن يكون ملكا، علي دنيانا الفانية!! هو أعظم من ذلك بكثير، والذين يريدون له، أن يعود من حضرة القدس، ومن خلوة القبر، لا يريدون ما أراد الله!! وانما يريدون ملكا، من ملوك الدنيا، يحكم هذا العالم.
انهم معذورون، لأنهم يظنون أن الدنيا كل شئ!! أحب أن أهمس في أذنك، أن وجود كل واحد منا، لفترة محدودة، في هذه الدنيا الفانية، إنما هو وجود مرحلي، ويستحيل علي المرحلي المؤقت ، أن يكون مركزا، يحدد مسيرة الكون. أكثر من هذا أن البشرية ذاتها مسألة مرحلية، سرعان ما تزول، لأن حياتنا الراهنة هي البرزخ، الذي سرعان ما يزول بالموت الحسي!! فان كنت في شك مما نقول، فاسمع قول الأستاذ: " وأما عالم البرزخ، فهو عالم المنزلة بين المنزلتين-عالم مرحلي- وهذا هو عالم الإنسان الحاضر، الذي نعيش نحن الآن في أخريا ت أطواره، كما سلفت إلى ذلك الإشارة "
لذلك فان العارف، في يوم الموت الحسي، يتخلص من جسده، كما يتخلص أحدنا من القميص البالي،أو قل يتخلص من القوقعة، كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية، علي حد تعبير الأستاذ!!
والغريب في الأمر أن هذا الذي يقوله الأستاذ مكتوب، في الكتب القديمة، قبل ميلاد المسيح!! وهو يعادل الآية رقم 22 من الفصل الثاني بعنوان يوغا المعرفة، في كتاب الجيتا الفرد المسمي بأغنية الرب،والملقب بأنشودة الأناشيد.
وليس معني هذا أن الأستاذ كان ينقل من الكتب القديمة، ولكن معناه ، أن الحقيقة واحدة!! وان المعلم واحد!! كما كان يقول الأستاذ مرارا وتكرارا، ولكن أين من يسمع أين؟
الأستاذ لا ينقل من أحد، ولكنه يقرأ ما كتبه قلبه علي صفحات عقله!! فيطابق ذلك الكتب القديمة ، فهو طبق النصوص عند أهل الخصوص.

الطريق العملي هو طريق النموذج الفردي
والوصول الي الله حق لمطلق انسان
هل تريد الحق؟

إن الأستاذ هو النموذج الكامل، لاتباع العقيدة الإسلامية، في دورة جديدة من دورات الوجود، وهو هو النموذج الجمهوري المكتوب، في أسس دستور السودان: " بخلق النموذج الجمهوري. هذا يعني المسلم الصحيح الإسلام، المسلم ذا القلب السليم، والذهن الصافي... وبإشاعة هذا النموذج في الناس، فان القدرة ستمكن الجمهوريين "
غني عن البيان، أن النموذج لا يكتمل إلا بالموت الحسي، لأن هذه الدورة هي دورة الموت والحياة، وغني عن البيان أيضا، أن المسلم الصحيح الإسلام، ليس هو المقلد، وانما هو الأستاذ الذي عاش حياة السعداء، حياة من أحب الله بقاءه، ومات ميتة الشهداء، ميتة من أحب الله لقاءه!!
الأستاذ لم يكن شاكا، فهو قد كان علي ثقة بربه، وعلي يقين بدعوته، بل انه لم يتنازل عن حريته، وعن أصالته، ولم يرجع للتقليد، يوم نصبت له المشانق!! هذا هو النموذج، وسيشيع هذا النموذج في الناس، بقدرة الله، التي أشار إليها الأستاذ ب " القدرة ". المطلوب أن يحقق كل فرد أصالته، وحريته، وهذا هو الطريق العملي، الذي يملكه كل فرد.
روح الله منفوخ في مطلق إنسان، وطالما أن الله قد خلقك فهو يهديك بنفس القدر: " الذي خلقني فهو يهديني" والفرق بينك وبين الأستاذ، إن الأستاذ يشعر بروح الله المنفوخ فيه، وأنت لا تشعر!! وليس هذا بالفرق البسيط، كما قد يتبادر إلى البعض.انه الفرق بين السماء والأرض!!
ومهما يكن من أمر،فأنت يمكن أن تملك أمر نفسك، ولكنك لا تستطيع أن تملك أمر المجتمع. أمر المجتمع يتم، بتكاثر وجود الأفراد الأحرار، لأن المجتمع، ليس شيئا، سوي مجموع الأفراد، وما يحكمهم من علاقات!! والتشريع والتقنين، إنما يكون علي مستوي المجتمع.
إذن لا عبرة بالحديث عن التشريع للمجتمع، من غير تغيير الأفراد. وتغيير الأفراد يبدأ بك وبي، ان كنت جادا في ذلك. أما البقية، فهي ليست بقدرتك، وليست بقدرتي، وليست بقدرة أصحاب النظريات الذين يقولون في الدين بالرأي، رغم ظهور بطلان هذا الرأي، ظهورا قاطعا في يوم 18 يناير المجيد. وحتى بعد مرور ما يقرب من العشرين عاما بعد 18 يناير، فان نظرياتهم لم تفعل شيئا، ويقينا أنها لن تفعل شيئا، في يوم من الأيام، ولو كانت تفعل، لكان إخواننا من اليهود أولي الناس بذلك، فقد انتظروا آلاف السنين.أو ليس اليهود هم أبناء إبراهيم، وسلالة الأنبياء، وخلاصة الحنفاء!! ولكن سقط ذكرهم، لأنهم استكبروا بالنصوص، فأنكروا أهل الخصوص!! سطروا الكتب في المسيح، ولكنهم قتلوا المسيح!!


التقليد عقبة!!

ان كل من يطلع علي حقائق الدين، يعلم أن التقليد عقبة، ولقد ذكر ذلك الأستاذ ، في كتابه بيننا وبين محكمة الردة، حيث ذكر صراحة، أن النبي لم يكن مقلدا لأحد، ولذلك لم تواجهه، عقبة التقليد، وانما تواجه عقبة التقليد الأمة من ورائه. إذن كلما نهضت الأمة، فإنها تواجه بعقبة التقليد.
أما إذا كانت الأمة راكدة، كما هو الحال الآن، فإنها لا تواجه بعقبة التقليد، بل إنها تري التقليد كمالا. وهذا هو بعض السر، أن الأستاذ قد أقام الجمهوريين مرحليا، في مقام التقليد. لذلك فان من يتحدث عن الأصالة، وهو في مقام التقليد، فذلك من الشهوة الخفية!! ومن تمسك بالتقليد، وهو في مقام الأصالة، فقد سقط عن الهمة العلية!!
ان المقلد يستحيل في حقه، أن يلاقي الله كفاحا، لأنه مشفوع بالحضرة النبوية، ومحجوب بالحجاب النبوي.
ليس معني هذا أننا ندعو المسلمين ليتركوا التقليد، لأننا نعلم أن الذي لم يصل خلف الله، يمكن أن يصلي مع النبي: " ولتأت طائفة أخري لم يصلوا، فليصلوا معك " لأنهم في حالة خوف، ولان صلاة النبي سكن لهم: " إن صلاتك سكن لهم "
إن الذي يعترف، بأنه في مرحلة التقليد، قد حرم نفسه من الحديث في الأصالة، فان تحدث، فانه يتحدث فيما لا يعلم. لذا فان القول بأننا نخالف الأستاذ، في موضوع الأصالة، ليس به عبرة، طالما أن المتحدث من المقلدين.
إن الأمر يحتاج إلى صبر وأناة، لأنه يتعلق بدقائق حقائق الدين.
إن سقوط التقليد، يقع في أخريات السير، بل إن سقوط التقليد، في أخريات السير أمر لا مناص منه، كما قرر الأستاذ بالنص الصريح.
فإذا لم يكن ذلك كذلك، فعلي أي أساس ترك الأستاذ التقليد؟ قطعا، إن الجمهوريين لا يستطيعون الإجابة علي هذا السؤال، إلا بالتخمين!! كأن يقول بعضهم أن الأستاذ، سيعود مرة أخري!! أذن فهم كانوا يعلمون ب 18 يناير قبل أن يقع !! ان مثل هذا القول، لم يكن موجودا في الفكرة من قبل، وهو بكل تأكيد ليس خطها!!!!
هذا هو بعض السر في أن كبار العارفين بالفكرة لا يدعون إليها، وانما يطبقون ما يعلمون في أنفسهم، دون دعوة لأحد، وحسبهم هذا علما وشرفا. هم يعلمون أن هناك أسئلة بلا أجوبة!! وهم يعلمون أن هناك عقبات طوال، لابد أن تجتاز قبل الشروع في أي عمل.
إن كنت تريد أن تعلم فاعلم ، أن ذكر الله نفسه، لا يكون إلا بعد انقضاء صلاة التقليد: "فإذا قضيتم الصلاة، فاذكروا الله "

نواصل...

وَذَكِّرهُم بأَيَامِ الله ..(كتاب في حلقات) - الأولى



العارف شريعته معرفته،
ومن وصل الحقيقة لابد أن يعمل بالحقيقة،
لأن الحقيقة هي دنياه

ان الرشيد لا يحتاج لمرشد، وان الحكيم لا يوصي، وان اللبيب بالاشارة يفهم... وان العارف لا شريعة له ، الا شريعة مشتقة من علمه بعالم الأمر: "ثم جعلناك علي شريعة من الأمر فاتبعها " أي أن العارف شريعته معرفته، كما كان يقول الاستاذ الجليل محمود محمد طه... والسر في ذلك، ان من وصل الحقيقة، لا يعمل الا بالحقيقة، ثم لا تكون نتيجة قوله وعمله بالحقيقة، الا خيرا وبرا، بالأحياء الأشياء.
لذلك فان العارف لا يعمل شيئا في السر، يخشي أن يطلع عليه الناس في العلن... فاذا كان أمر الحقيقة ، قد قضي بالطلاق، فيجب أن يكون ذلك معلنا ومعلوما، باسبابه ومبرراته، خصوصا، أن هناك الكثيرين من الفضليات والفضلاء، الذين يرون صحة ما نقول وما نعمل.
في هذا المقام، أحب أن أذكر قصة قديمة، دار حولها لغط، من الذين لا يعلمون أسرار النفس البشرية، وتلك هي قصة النبي الكريم، مع أمنا السيدة الفضلي زينب بنت جحش... فلم يكن عيبا ولا خطأ، ان يدب في القلب الشريف، استلطافا، للسيدة زينب، ولكن الخطأ، أن يعلق بالقلب الشريف، خاطر يخفي شيئا، ويبدي للناس شبئا آخر... بمعني آخر، يكون اعتبار الناس ، أهم من أعتبار الله!! ولذلك فان الوحي، قد نزل في التو وفي الحال، لتصحيح وضع لا يستقيم مع كمالات المحققين... ولو أن العارف أخفي شيئا، فان الله سيبديه تكريما للعارف، وتكريما للحقيقة، وتكريما للناس أيضا، وهذا هو عين ما جري به الوحي، في حق النبي الأمين، وفي حق الناس جميعا: " وتخفي في نفسك، ماالله مبديه، وتخشي الناس، والله أحق أن تخشاه"
ولذلك، فانني لآاقفل الباب، أمام كل من أراد أن يستوضح من هذا الموقف، وسوف لايكون عاقبة ذلك الا خيرا وبرا، بالأحياء والأشياء.
ليس في دنيا العارف الا الله، ومن وصل الي الحقيقة، كان الله محياه، وكان الله مماته: " قل ان صلاتي ، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين"
وفي هذه العجالة، فانني أريد ، القاء الضوء، علي بعض المسائل الهامة، لمحاولة ازالة، بعض اللبس، الذي قد وقع عند بعض العقول، مع بيان شئ قليل، عن الفردية.

موعود الانسان من الكمال، مرتبة " الاله"...
ولكن هذا، لايعني، بأي حال تأليه البشر،
لأن مرتبة "الاله"، هي مرتبة:" باب الله " ...
حيث العبودية والأدب والتواضع والطاعة،
والاستسلام لله،عن يقين وبمحبة ورضوان

موعود الانسان من الكمال، هو مرتبة الاله!! هذا هو ليس قولي، وانما هو قول الاستاذ الجليل محمود محمد طه، وهو أيضا قول كل حر، اصطفاه الله واجتباه... ولذلك فاننا نقول بهذا القول المبارك، ظن الناس ، أننا حققنا ذلك ، أو لم يظنوا!!
يقول الاستاذ الجليل محمود محمد طه، في ختام كتابه العظيم، الرسالة الثانية من الاسلام، قولا من دقائق المعارف، حيث يقول: " ان هذا يعني، أن حظ الانسان من الكمال، لا يحده حد علي الاطلاق... موعود الانسان من الكمال ، مرتبة الاله" ... بمعني آخر، لا يحد كمال الانسان الا جهلنا والا عجزنا... ليس هناك قيد ولا شرط لكمال الانسان، وكل من اشترط، فعلي نفسه قد اشترط، وكل من قيد، فانما بجهله تقيد.
هذا الحديث العرفاني الدقيق، يحتاج لزيادة شرح وتوضيح، وهو يقع في تفصيل ماورد في مقدمة كتاب الطبعة الثامنة من طريق محمد، من حيث ان النبي الكريم هو باب لا اله الا الله، وان الاله هو باب الله، وأن لمحمد سنة، ولله سنة... فكأن محمدا ، يضع أحبابه، في باب الاله، بين نفي واثبات :"لا" و "الا"... أما باب الله، فهو يعني تطبيق وحدة الفاعل، وتطبيق ل "لااله الا الله".
هذا يعني انتفاء الفاعل الثاني، وهذا هو التقوي، لأن التقوي، هي فناء النفس... هذا وحده، هو الذي يقودنا الي الله، لأننا عملنا بارادة الله العليا، وتنازلنا عن الارادة البشرية السفلي، ثم قرأنا كل أعمالنا من كتاب التأويل، كتاب الأبرار: " كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين"
معلوم أن البر هو التقوي: " ولكن البر من أتقي" ومعلوم عند، أولي الابصار، أن التقوي هي باب الله الوحيد الذي ليس فوقه، ولا غيره باب: " ولكن البر من اتقي، واتوا البيوت من أبوابها"... كل من لم يفعل التقوي فقد وقف مع الظاهر، كما هو واضح من قوله: "وليس البر ، بان تأتوا البيوت من ظهورها" ... الأصبع النبوي الشريف يشير الي الحقيقة، اشارة بليغة... والحقيقة هي الله، وما يعقلها الا العالمون، ومن لم يفهم الاشارة والتلاويح، فانه لا يريح ولا يستريح.
ان الله معنا في كل لحظة، وفي كل مكان: " وهو معكم أينما كنتم" ، ولكننا نحن الغائبين، عنه!! فاذا سلمنا لله، مع موالاة الرضا بكل ما يجريه الله من السماء في الأرض، فاننا نكون قد نشرنا الالهة في الأرض: " أم اتخذوا الهة في الأرض ، هم ينشرون "
ومن كان مع الله، فانه يبتغي الي ذي العرش سبيلا، ثم يذوب في الله، في هوي يذيب النفس والروح والجسما، ثم لا يبقي عينا للمشوق ولا رسما!! من كان هذا هو حاله، فانه لا يدعي أنه اله مع الله، وهذا هو معني القول المبارك: " قل لوكان معه الهة، كما يقولون، اذن لابتغوا الي ذي العرش سبيلا"... وهو أيضا معني القول المبارك: "ماكان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة والنبوة، ثم يقول للناس، كونوا عبادا لي من دون الله" وانما كان ذلك كذلك، لأن الله ليس شخصا، ولكنه طاقة لا توصف ولاتحد، انبثق عنها الوجود، ومازال ينبثق منها واليها يعود، في كل لحظة:

تبارك الله ما في الدار ديار وانما هي نيران وأنوار
اله السماء هو اله الأرض،
وانما هو اله واحد

أن الفاعل واحد في السماء وفي الأرض: " وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله"... ولكن أهل الأرض الذين يعملون بالارادة البشرية، يظنون عن طريق الوهم، انهم يملكون ارادة في الأرض... بمعني آخر يجعلون من أنفسهم الهة، في الأرض، لأن مرتبة الاله، هي مرتبة وحدة الفاعل.
لذلك فان الله قد حذر حبيبه محمدا، من استعمال الارادة البشرية الخادعة، استعمالا مخدوعا، كما اتفق لأبيه آدم، وقبل ذلك أمرالله،حبيبه محمدا، بالبقاء، مع الارادة الالهية العالية، تحقيقا لملك الله، واكمالا لكل معاني قرآنه العظيم، حتي تفك كل رموز الوحي "التأويل" الذي هو ثمرة التوحيد... كل ذلك ينمو ويزيد، بالتأني وعدم العجلة، كما هو واضح من القول المبارك: " فتعالي الله الملك الحق، ولاتعجل بالقرآن، من قبل أن يقضي إليك وحيه، وقل رب زدني علما* ولقد عهدنا الي آدم من قبل، فنسي ولم نجد له عزما"
ان صاحب العمل بالارادة البشرية ، قد عرض نفسه للا متحان والبلاء... اما صاحب العمل بالارادة الالهية فانه ينزل، في منازل لا يتصور فيها بلاء، حيث يكون العارف آمنا في سرادق الرضا، فان أصابه خير شكر، وان أصابه شر صبر، لأنه يعلم أنه ليس له من الأمر شيئا، وأن الأمر كله لله.
ان الله، عند هذا العارف، يحب، ويطمأن اليه، ويرتع في بحبوبة انسه، حسب تعبير الاستاذ الجليل محمود محمد طه، في كتابه القيم رسالة الصلاة.
الرضا بالله، يجعل شمس العبد مشرقة، شروق شمس الرب، فينال العبد مرتبة مسايرة الاله "مرتبة الاله" وهي مرتبة لاتوهب، وهذاهو معني قول سلطان ألأولياء:

ما زلت أرتع في ميادين الرضا
حتي وهبت مكانة لا توهب
أفلت شموس الأولين، وشمسنا
أبدا علي فلك العلا لا تغرب

وهوأيضا معني قول سليمان الحكيم:" رب اغفر لي ، وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي"... معلوم، عند أولي الأبصار، ان الرضا بالله ، يرسخ وحدة الفاعل، بترسيخ معني الوحدانية في العقول، وهذا هو معني قول الاستاذ الجليل،: "فاذا استقرت مدركات العقول في طوايا الصدور، ظهر ان، ليس هناك حرف واحد، في القرآن لا يدعو الي وحدة الفاعل"
اذا ظهر، أن ليس هناك حرف واحد في القرآن، لا يدعو الي وحدة الفاعل، ظهر تأويل القرآن، من طوايا الصدور، الي طبقات العقول... ثم صار القرآن كله جميعه كتلة من نور، بدون ناسخ وبدون منسوخ... وبدون أصول ، وبدون فروع...بالتأويل يغدو القرآن كله أصل، وكله ناسخ لكل ما عداه.
تفصيل وحدة الفاعل، وبيان جواهر الرضا، هو رسالة التأويل، التي وطدنا العزم، علي اجلائها، في كل صبح جديد... هذا الوضع يتطلب حضورا وممارسة، ومدارسة ومراجعة، ولذلك فان جميع رسائلنا القادمة، سوف تقتصر ، علي الأخوات والأخوان، المقتنعين والمتابعين، لجذوة التأويل، وسوف لا نرسل أية رسالة لأي شخص مهما كان... لهذا السبب، فان رسالتي القادمة، سوف أسقط منها الأسماء التي ليست في قائمة التأويل، الا اذا طلب مني صاحب الشأن، ارسال رسائلنا له، بطلب صريح.
من حسن التوفيق الالهي، أن أخينا الفاضل الدكتور محمد صادق جعفر، وزوجته الفاضلة الاستاذة الهام نجم قد طلبا شطبهما من القائمة، وعدم ارسال أية رسالة لهما من جانبنا... في حقيقة الأمر، فان صادق والهام لم يكونا في قائمتنا، وانما كانا في قائمة أهلنا، وقد كنت أرسل لهما، بعض الرسائل، من مئات الرسائل التي أكتبها، وذلك من قبيل الود والمحبة، وقد كانا يثنيان علي رسائلنا... أما الان، فانني سوف استجيب لهما استجابة فورية، وهذا هي آخر رسالة، لشخصيهما الكريمين.
وقبل أن، أزايل مقامي هذا لا بد أن أوضح بعض المسائل الهامة، ذات الصلة بعلاقتي، بالذين ينسبون أنفسهم للفكرة الجمهورية.

بيني وبين الذين ينسبون أنفسهم للفكرة الجمهورية

أحب أن يكون واضحا، أنني لا أمثل الاستاذ الجليل محمود محمد طه، ولم أدع ذلك في يوم من الأيام، ولكنني أزعم أنني أقول الحق والعدل... من هنا كان تمجيدي للاستاذ الجليل، والذي لاتربطني به علاقة حزبية، او طائفية، ولكنه الحب في الله، وتمجيد أهل الله، وتعظيم شعائره، والالتزام باظهار الحقيقة:

هنا الحقيقة في جنبي، هنا قبس
من السماوات في قلبي، هنا الله

من الجانب الآخر، أحب ان يكون واضحا، أنه ليس هناك علاقة بين الذين ينسبون أنفسهم، للدعوة للفكرة الجمهورية، في يومنا هذا،وبين الاستاذ الجليل.
أن نفس هؤلاء الأشخاص، قد تركوا الاستاذ الجليل، علي حبل المشنقة، وفروا الي أهليهم، ووقعوا علي صكوك التنازل، عن الاستاذ الجليل، وعن فكرته، بأقلامهم، او بلسان مقالهم، او بلسان حالهم... ان خذلان الاستاذ بهذه الصورة المزرية، عار لا يدانيه عار.
وأسوأ من هذا، أن هؤلاء، لم يستغفروا أويتوبوا، أو يراجعوا الفكرة، وانما أصروا علي خطئهم، وزعموا أن الاستاذ، سيعود مرة أخري للحياة الدنيا، شأنهم شأن طائفة الشيعة، وبعض الطوائف الأخري، التي يقو م أمرها علي الجهل بالدين والدنيا.
لقد كان الاستاذ، صاحب حقيقة كبري، وكان مرشدا في طريق محمد، وان الذي يتركه علي حبل المشنقة، فقد ترك النبي علي حبل المشنقة!! فعن أي تقليد يتحدث هؤلاء؟؟
لقد سبق لي أن أيدت موقف أخينا الاستاذ سعيد شايب، ولا زلت أري نفس الرأي، لأن سعيدا لم يزعم أنه يقوم في مقام الاستاذ، لأنه رجل عارف وعالم.
لقد وجد سعيدا نفسه، في مأزق عرفاني دقيق، لا يستطيع تفسيره، فآثر الصمت، وعدم الدعوة للفكرة الجمهورية.
لقد كان سعيد، هو كبير الأخوان الذي أقامه الاستاذ في قيادة الحركة، والاستاذ لا يترك في مكانه رجلا جاهلا... لقد كان سعيد عالما وبصيرا... وقد استطاع أن يدرك ببصيرته، أن الجمهوريين، لا يستطيعون، السير في طريق الاستاذ، فأعلن حل التنظيم الجمهوري، وبذلك أعطي الجمهوريين، الفرصة للبقاء في الحياة الدنيا، حتي يستطيعوا مواصلة الاستغفار والتوبة والعبادة، عسي أن يفتح الله عليهم بشئ، او ينتقلوا الي الدار الآخرة، وهم في حالة بحث عن الله.
ما كنت لاذكر كل هذا، لولا أنني قد تسلمت رسالة، من أخت كريمة، تنسب نفسها لمنهاج أبيها الاستاذ، حسب قولها، وتقول في رسالتها: " فنحن لم ولن نعترف بمنهج روحي، غير الذي وضعه لنا أبانا الاستاذ محمود، لازايدا ولاناقصا،... وغير ذلك مجرد تهويمات ر وحية، لا تسمن ولاتغني من جوع عرفاني أو تسليكي. ان لم تكن ضارة" انتهي حديث الأخت الكريمة.
وماهو منهج الاستاذ؟ أوليس هو البسالة، وعدم التراجع عن الفكرة الجمهورية، ولو نصب له كل السودان مشانقا؟ وما هو منهاج الاستاذ الشخصي؟ أو ليس هو سقوط التقليد؟ وهل كان الاستاذ يصلي، كما كان يصلي عامة المسلمين؟ ثم كيف تكون دعوتنا للرضا بالله مجرد تهويمات؟ كيف تكون التقوي وقبول ارادة الله في كل لحظة، عملا ضارا؟؟ وهل هناك شخص يترك أباه الروحي علي حبل المشنقة؟؟
ثم مضت الأخت الكريمة لتقول عن معارفي: " فامتلأوا بها فخرا وزهوا، وبدأوا يبعثرونها ذات اليمين وذات الشمال، من غير مراعاة لحكم الوقت" انتهي حديث الأخت الكريمة.
ثم مضت الأخت الكريمة لتحدثنا عن هذه المعارف، وضربت مثلا بقولنا، بزوجية العبد والرب، وقولنا عن طيران القلوب، بأجنحة من غير ريش.
هذه الأخت الكريمة لا تعلم، ان الاستاذ الجليل، تحدث باستفاضة، عن زوجية العبد للرب، في كتابه - تطوبر الأحوال الشخصية - حيث يقول: " وانما كان الانسان الكامل زوج الله، لأنه في مقام العبودية... مقام العبودية مقام انفعال، في حين أن مقام الربوبية، مقام فعل"
بل أن الاستاذ الجليل، قد استدل بنفس الآية التي اعتمدنا عليها: " سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون".
ثم يمضي الاستاذ الجليل، ليقول: " وحين يتم اللقاء، بين هذين الزوجين- الذات الالهية، والانسان الكامل- ينبعث العلم اللدني، في فيض، يغمر العبد من جميع أقطاره"
ثم ان حديثي عن القلوب، التي تطير باجنحة من غير ريش، قد ذكره الاستاذ في مقدمة الطبعة الثامنة، وقبل ذلك ذكره الحلاج، وقبل ذلك، هو حديث موجود في الصحف الأولي، المكتوبة، قبل ميلاد المسيح، والتي اطلعنا عليها تنفيذا لوصية الاستاذ بالاطلاع علي دقائق الأفكار والأديان.
انه أمر مؤسف، أن تري هذه الأخت الكريمة، أن هذا القول لا يناسب حكم الوقت الحاضر، مع أنه قول قد ذكر، قبل آلاف السنين... والجديد أننا قد قلناه بذوق جديد، وتحقيق جديد‍‍!!
ولم تقف الأخت الكريمة، عند هذا الحد، بل قالت، ان الله حذر من الذين يفتنون الناس عن دينهم، وان رسالتي مجرد فتنة وبلبلة.
ان اتهامي بالفتنة والبلبلة، اتهام يشرفني، لأنه نفس الاتهام الذي كان يوجهه السلفيون للاستاذ الجليل، بل ان فتنة الناس عن دينهم هي التهمة، التي نفذ بموجبها حكم الاعدام علي الاستاذ، فالحمد لله، الذي جعل هذا الشبل من ذاك الأسد.
ثم ماهو الدين الذي أفتن الناس عنه، أهو دين السلفيين والوهابيين!! أو لم تقرأ ، هذه السيدة الفضلي، ان الاستاذ الجليل، قد كتب مرارا، وتكرارا، ان المسلمين اليوم، ليسوا علي شئ، وانما هم غثاء كغثاء السيل، لايبالي الله بهم.
اللهم اني استغفرك من الخوض في مثل هذا الحديث، ولكنها الضرورة القاهرة:" فمن اضطر غير باغ ولا عاد، فلا اثم عليه"... الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي، وقل سلام فسوف يعلمون
بدر الدين
كتبه في البحرين
في يوم الجمعة العاشر من صفر الخير 1427 هجرية
يوافق العاشر من مارس 2006 ميلادية
نواصل..

الحكومة الدينية فكرة خاطئة لا سند لها في القرآن الكريم

القرآن الكريم، هو كلام الحق القديم، تنزل من العرش المتين، ثم جرى على لسان النبي الأمين ، في يسر وطلاقة، وسلاسة وبلاغة، في شكول كلمات عربية، وفي شكول حروف متقطعة، تشكلت منها عبارات صقيلة ، فخيمة المباني، بهية المعاني، عليها طلاوة وطراوة، أعلاها مثمر، وأسفلها مغدق.
القرآن نبع من شواهق الأزلية، ثم سار في شعاب الأبدية، سرمدا من غير بداية، ومن غير نهاية، لأنه كلام الله، بصريح نص لامرية فيه: "فأجره حتى يسمع كلام الله" وكلام الله صفته، وصفات الله قديمة قدم الله، فالله كان متكلما أزلا، وسيظل متكلما أبدا، وهو لا يتكلم إلا بهذا القرآن: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى"
القرآن بهذا الشأو السامق، والعز الباذخ ،هو كتاب عزيز" لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ... القرآن بهذا السمو السامي والشموخ العالي، هو محض روح: " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا"... القرآن بهذه الأنوار القدسية ، والحكم الجلية، ، هو برهان الرب العظيم، ونوره المبين، ليس للمسلمين فحسب، وإنما للناس، كل الناس : " ياايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم، وأنزلنا إليكم نورا مبينا" .
القرآن، في سبحاته العليا، قد خلا من الشك والريب، ولايهتدي به إلا المتقون: " الم * ذلك الكتاب لاريب فيه، هدى للمتقين" ... القرآن في حروفه المتقطعة، في أم الكتاب، أعلى وأحكم من اللغة، ولكن الله جعله عربيا، لنعقل عنه: " حم * والكتاب المبين *إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون* وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم"
إذا كان القرآن روحا، فكيف يكون الروح دستورا؟ كيف يكون الروح قانونا، تدبجه وتقعده وتنظمه، الهيئات التشريعية، التي جلها بئيس تعيس!!
إذا كان القرآن لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكيف يكون القرآن ، قانونا، مثل سائر القوانين، التي يبطل لاحقها سابقها، كلما دعت الحاجة لذلك؟ وكيف يكون الله العظيم، الذي ملأ نوره الزمان والمكان، واستفاض وأربى على اللازمان واللامكان، مجرد مشرع، يتابع هموم أهل الدنيا؟؟
إذا كان القرآن برهان الرب، ونوره المبين، فكيف يكون برهان الرب دستورا، وكيف يكون نور الله قانونا؟ وهل يعرف الدعاة الإسلاميون الذين نعرفهم جيدا برهان الرب وهل شاهدوا نوره؟ وهل يستطيع أحد أن يجعل النور الحسي قانونا، دع عنك نور الرب المبين؟
إذا كان القرآن ، لا ريب فيه، فكيف يكون القرآن قانونا؟ كل من يعرف القانون يعرف أن أي قانون قابل للتعديل، لأنه قد إستنفد غرضه، ولأنه مشكوك في صلاحيته.
إن القول بأن القرآن دستور، أو أن القرآن قانون، هو قول باطل ، من جميع الوجوه، بل مسرف في البطلان، و قد اعظم به أصحابه الفرية على الله... القرآ ن أعظم وأجل مما يظنون.
بل إننا لا نستطيع مس معاني القرآن الباهرة، ومعارفه الزاهرة، ومعينه الذي لا ينضب، إلا إذا طهر الله قلوبنا بنوره تطهيرا، بعد تطهير: " إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون* لايمسه إلا المطهرون* تنزيل من رب العالمين"... إنما يكون التطهير على نحو مما جاء في مقالنا السابق: " تصاوير على حواشي القلوب، وإرهاصات الثورة الفكرية" والذي نذكره على سبيل التمثيل وليس الحصر....القرآن لو نزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله .
الفرآن بهذه الصفة الخالدة، يستحيل ان يكون دستورا ، أو قانونا، أو لائحة تنفيذية، لأن القرآن مطلق إطلاق الرب، حيث منتهى الحقوق عند التناهي، حيث لاحيث!! أما الدستور، فهو تطلعات البشر للمثل العليا، الموضوعة في قوالب قانونية، ولكنها تطلعات مقيدة بحدود العقل البشري.. أما القانون فهو أشد أسرا وأكثر قيدا، من أبيه الدستور... القرآن كلام الرب الذي ينتهي إليه تطور كل متطور: " وأن إلى ربك المنتهى"
القرآن يتحدث عما وراء الطبيعة، بلسان الغيب : " ويكفرون بما وراءه وهو الحق" ... فهل يستطيع أي مشرع، مهما أوتي من المقدرات، أن يجعل الغيب، وأمور ما وراء الطبيعة، ومعجزات الرسل الكرام، وخوارقهم ، دستورا ، أو قانونا؟ اللهم لا.
والآن ماذا يريد دعاة الحكومة الإسلامية أن يطبقوا من آيات القرآن الكريم، هل يريدون تطبيقها كلها؟ ام بعضها؟
يبلغ عدد آي القرآن الكريم 6236 " ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون " آية . فعن أي آيات يتحدث حكام السودان الشمالي ، ودعاة الدستور الإسلامي؟

مئات الآيات تتحدث عن صفات الذات الإلهية وقصص الأنبياء

كما هو واضح فإن مئات الآيات القرآنية، تتحدث عن صفات الذات الإلهية، وترسيخ وحدة الفاعل وقصص الأنبياء... والسؤال المطروح لحكام السودان الشمالي، كيف سيجعلون من هذا الكم الهائل من الآيات، دستورا وقانونا، علما بأن هذه الآيات الكريمات تقرير لصفات الذات الإلهية، أو سرد لمجموعة قصص ، في حق الأنبياء الكرام وصفاتهم النبيلة.
كيف يجعلون من آية الكرسي، ومن صيغ التوحيد، ومن نور الله الذي مثله كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري، دستورا وقانونا؟
كيف يجعلون من بقرة بني إسرائل، أو هدهد سليمان، أو ناقة صالح، أو كلب أهل الكهف، أو ثعبان موسى، أو حمار الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، دستورا وقانونا؟
كيف تكون قصة العبد صالح مع موسى ، أوقصة الإسراء دستورا؟ وما يقال عن كل أولئك يقال عن طوفان نوح، وقصة يوسف مع إخوته، وقصة موسى مع فرعون، وقصة يونس مع الحوت.

مئات الآيات تتحدث عن أهوال القيامة، وأوصاف الجنة والنار، والبعث، و الملائكة وإبليس والجن وأخبار الملأ الأعلى، وأنوار الملكوت

بدون دخول في تفاصيل ، فإن جميع هذا النوع من الآيات، لايمكن أن يكون دستورا، او قانونا... إن الملأ الأعلى، وإن قدس الأقداس، لاتمس أرضه الطاهرة قيود القوانين، ولا تدنسه الأٌقدام، لأن أرض القرآن ليست أرض الديار التي نسير فيها، ولا أرض الأموال التي نتوارثها، وإنما هي أرض نطير فيها، بقدرة الخلاق، فلا تطأها الأقدام : " وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم، وأرضا لم تطؤها، وكان الله على كل شئ قديرا"
كيف تكون قصة الخلق، وإغراء إبليس لآدم وحواء، وإخراجهم من الجنة، وأخبار الغيوب دستورا وقانونا!! وكيف يكون قدس الأقداس، دستورا وقانونا؟؟

مئات الآيات تتحدث عن أوصاف الطبيعة، وقصة الخلق

مئات الآيات القرآنية، تتحدث عن وصف خلاب لروعة الطبيعة وجمالها ، المستتر في خلق السماوات والأرض، والمتجلي في الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، والسؤال المطروح ، كيف تكون مثل هذه الآيات دستورا ، أو قانونا؟

مئات الآيات تتحدث عن الصلاة والصيام والحج

بدون دخول في التفاصيل ، كيف تكون العبادات ، التي هي معاملة بين العبد والرب، دستورا أو قانونا، يناقش ويجاز في البرلمانات، والهيئات التشريعية.

تسع وعشرون آية عبارة عن حروف متقطعة

بدون دخول في تفاصيل، كيف تكون آيات مثل حم، وكهيعص، والر، ونون وقاف، دستورا، أو قانونا؟ لقد بلغ عدد الحروف المتقطعة في القرآن أربعة عشر حرفا، ظهرت في تسع وعشرين تشكيلة، كل تشكيلة منها، تفيد أنها هي القرآن: " الم * ذلك الكتاب" ، وما يقال عن الم يقال عن أخواتها من التشكيلات البديعة الغريبة، التي أعجزت فهوم القدماء، وحيرت المحدثين، فاكتفى أحسنهم وأمثلهم طريقة في التفسير بقوله : " الله أعلم بمراده"
نخلص من كل أولئك، أن هناك آلاف الآيات القرآنية، غير قابلة للتطبيق كدستور أو قانون... إذن، فإنه يجب على دعاة الإسلام، أن يتحلوا بشئ من الأمانة والصدق - إن كان ذلك ممكنا – ويعلنوا للناس أنهم يريدون تطبيق وتقنين جزء يسير من آيات القرآن!! ولننظر، الآن في هذا الجزء اليسير من الآيات ، ونرى هل هي حقا آيات قابلة للتطبيق في نظام إداري حكومي؟

ماذا بقي من آيات القرآن إذن؟

لقد أثبتنا أن أنواع الآيات المذكورة أعلاه، غير قابلة للتطبيق في نظام حكومي إداري. لذا، لم يبق من آيات القرآن إلا نذر يسير، يعالج المواضيع التالية:
آيات تتحدث عن الجهاد وما يتعلق به من رق وجزية وغنائم :
آيات تتحدث عن الزكاة (الصدقات)
آيات تتحدث عن الربا
آيات يفهم منها الأمر بالحكم بما أنزل الله
آيات تتحدث عن قوامة الرجال على النساء، وعن توزيع المواريث
آيات وردت فيها عبارة حدود الله وآيات وردت فيها عقوبات لبعض المخالفات.
إن جميع هذه الآيات المتبقية، لا تدل على حكومة إسلامية، ولا تثبت دستورا أو قانونا إسلاميا، ومن الخير أن نتأملها جميعها، ونفحصها فحصا دقيقا:

أولا: آيات تتحدث عن الجهاد وما يتعلق به من رق وجزية وغنائم


هل يريد حكام شمال السودان تطبيق آيات الجهاد، وعلى رأسها آية السيف الشهيرة، في كل كتب التفاسير القديمة: ( الطبري، إبن كثير، الزمخشري، القرطبي... الخ) والتي تنص على: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين، حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم"
هذه الآية تأمر بقتال المشركين، في كل مكان، حتى يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ،، مما يثبت أن الشرك هو سبب القتال، وإلا كيف يتوب المشركون ، ويصلوا، ويؤتوا الزكاة، إن لم يسلموا أولا ... هذا أمر معلوم عندنا، ولكن للآية تأويلا يصرف عنها هذا المعنى الظاهر في الآفاق... ولكننا في هذه العجالة نريد أن نقف مع أهل الظاهر، فيما يعرفون دون الخوض في التأويل، الذي لا يعرفون، رغم أن التأويل ثابت بالنصوص القطعية الحاسمة.
هل يريد حكام شمال السودان قتال المشركين؟ هذا أمر يكذبه الواقع، ولكننا لنفرض جدلا، انهم يريدون أن يعلنوا الجهاد على المشركين ... هل يعلم حكام شمال السودان أن الجهاد ، له متعلقات وتوابع كثيرة تلازمه ملازمة الظل ، ولاتنفصل عنه.
أول توابع الجهاد وما يتمخض عنه من آثار، هو الغنائم، والسؤال المطروح هو من يقوم مقام النبي الكريم، ليأخذ خمس الغنائم تنفيذا لقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ ، فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" فإذا كان الرسول غير موجود حسيا، فقد سقط أهم تابع من توابع ولوازم الجهاد، وصارت هذه الآية غير قابلة للتطبيق العملي في نظام حكومي، لأن الرسول الكريم هو الذي كان يتولى، بيده الشريفة، توزيع الخمس على ذوي قرباه من أهله - وهم غير موجودين الآن بطبيعة الحال - بالإضافة إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل .
والسؤال الثاني مماذا تتكون الغنائم؟ الغنائم معظمها يتكون من الإيماء اللائي قتل ازواجهن في الحرب!! هؤلاء يغدون ملك يمين للمجاهدين، وقد ذكرت عبارات: " ما ملكت أيمانكم" " ما ملكت أيمانهم" " ما ملكت أيمانهن" خمس عشرة مرة في القرآن الكريم ، أربع مرات في سورة النساء ، وثلاث مرات في سورة النور، وأربع مرات في سورة الأحزاب، ومرة في سورة النحل، ومرة في سورة المؤمنون، ومرة في سورة الروم ، ومرة في سورة المعارج، والتي ورد فيها صراحة قوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين" وقد ورد في بقية المواضع الأربعة عشرالأخرى ما يفيد نفس هذا المعنى .
الآن هل يريد حكام شمال السودان تطبيق نظام " ما ملكت أيمانهم" والرجوع إلى عهد الجواري والإيماء؟ فإن قالوا نعم، فقد علمنا شيئا جديدا عن المؤامرة الكبرى المبيتة لإغتيال كرامة الإنسان وحريته!!
مؤامرة أكبر من الشيوعية بكثير... الشيوعية تلك التى وقت عناية الله العالم شرور ديكتاتوريتها بلطف شديد... بل إنها مؤامرة أكبر من النازية وأكبر من الفاشية!! وإن قالوا: لا ، إن نظام الرق قد خلفته البشرية، فقد إعترفوا بأنهم سيتخلون عن تطبيق خمس عشرة آية ، من القرآن الكريم ، دفعة واحدة ، من أجل مجاراة تطور العصر.
ومن توابع الجهاد أيضا ، إلزام أهل الكتاب بدفع الجزية، إن أبوا الإسلام: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولايدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" هل يريد حكام شمال السودان إلزام ما تبقى معنا من أقباط كرام وأقليات مسيحية محترمة بدفع الجزية عن يد وهم صاغرون، أي حقيرون ذليلون ؟ فإن قالوا: لا، فنقول لهم: مثل ما قلنا من قبل، وإن قالوا: نعم، قلنا: لهم مثل ما قلنا من قبل.
إنه وضع عجيب!! حكام شمال السودان ، يجعل دستورهم المسيحي رئيسا لجمهورية المسلمين، ويتمتع المسيحيون بعضوية حزبهم الذي يفترض أنه يطبق الشريعة الإسلامية!! لم يبق إلا أن حكام شمال السودان، قد إشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، فهم جماعة تتاجر بالدين، وتستغل الدين لأغراض السياسة، بل تجعل الدين بازا لصيدها، ناسية حكمة قدماء العرب القديمة: " ومن يجعل الضرغام بازا لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا"
إن إستغلال الدين لأغراض السياسة، أمر مفسد لأخلاق الأمة، وخير منه الدعوة العلنية للإلحاد، لأنه ضرب من ضروب الإستهزاء بآيات الله، ومن إستهزأ بآيات الله، رد الله عليه فعله، ثم مد له في طغيانه، وهو معصوب العينين: " الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، أخذا من قول الله المبارك المطوي في فاصلة الآية الثامنة من سورة هود : " وحاق بهم ماكانوا به يستهزئون" فإن الله يمهل ولا يهمل.

ثانيا : آيات تتحدث عن الزكاة(الصدقات) التي أحد مصارفها حق للذين في رقاب المؤمنين


أول ما يقال عن الزكاة، أن الزكاة مربوط أحد مصارفها بالرق ، كما هو واضح من قوله: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله" وفي الرقاب يعني الرقيق... إذن يجب على حكام شمال السودان أن يبحثوا عن الرقيق ليدفعوا لهم الزكاة... فإن قالوا إن نظام الرقيق لا يتفق مع تطور الإنسانية، رددنا عليهم، بأنهم سوف يمتنعون عن تطبيق ما يزعمونه شريعتهم، من أجل مجاراة تطور العصر.
وثاني ما يقال عن الزكاة: إن نظام الزكاة، مشفوع بصلاة النبي التي هي سكن للمؤمنين، ومربوط بالوجود الحسي للنبي الكريم كما هو واضح وضوحا جليا من قوله تعالى: " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" من ياترى من حكام الخرطوم يتجرأ ويزعم أن صلاته مثل صلاة النبي تكون سكنا لدافعي الزكاة من موظفي السودان، المغلوبين على أمرهم، والذين تؤخذ منها الزكاة قسرا ، دون تقيد بالحكم الشرعي المعلوم في بلوغ النصاب ، ودون أن يحول على مرتباتهم الحول.
وثالث ما يقال عن الزكاة: إن كلمة الزكاة في القرآن غير مقصورة على الزكاة ذات المقادير، إذ انها صفة من صفات الأنبياء واقوامهم قبل الإسلام كما هو وارد عن إسماعيل وعن أهل إسماعيل: " وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا" وكما هو وارد عن عيسى عليه السلام: " وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " بل إن الزكاة ذات المقادير، ليس إسمها في القرآن الزكاة، وإنما إسمها ( الصدقات) أو (صدقة) كما هو واضح من الآيتين الكريمتين المذكورتين قبل قليل. فهل يوجد عاقل، يقول بجعل زكاة إسماعيل وعيسى عليهما السلام، دستورا وقانونا !!
ورابع ما يقال عن الزكاة: إذا كان حكام شمال السودان، يزعمون ان الزكاة ذات المقادير عبادة، فهل تحتاج العبادة إلى إقامة دولة، وإلى وضع دستور، وتشريع قوانين ؟ هل تحتاج الصلاة وسائر العبادات ، والمعاملات بين العبد والرب، لدستور!! اللهم لا
هل تريدون الحق؟ الصدقات نظام صالح للمجمتعات الطبقية التي تعج بالفقراء والمساكين، مع وجود الأغنياء الذين يستغلون أولئك البؤساء من الفقراء والمساكين.
اما إذا جاء عهد الكرامة والمساواة ، فإن الزكاة لاتسقط، لأنها ثمرة طهارة القلب... أما نظام الصدقات، فإنه يسقط لعدم الحاجة إليه،ولأن ذلك أمر تقتضيه كرامة الإنسان، وتوجبه اخلاق الإسلام النبيلة الرصينة التي تحض على التعفف، عما في ايدي الناس... هذا فضلا عن أن نظام الصدقات قد سقط في دول المدنية الغربية، التي إستطاعت بالمجهود البشري، توفير العمل الشريف لمواطنيها، وتوفير الرخاء للعاجزين عن العمل، والمتبطلين عنه مؤقتا، وللشيوخ والأطفال عن طريق الضمان الإجتماعي... إنها دول ترحم الصغير، وتوقر الكبير، بصورة لا تقارن مع جمهوريتنا الإسلامية، التي تقتل مواطنيها، وتذلهم وتعذبهم بقوانينها الجائرة... العدالة الإجتماعية حق، وليس صدقة يذل بها البؤساء من الأرامل والأطفال، في دواوين زكاة حكام الشمال، التي قتلت الآباء في حربها الجهادية ، التي هي السبب المباشر في فصل الجنوب عن الشمال.
إن الحكومة الإسلامية المزعومة في شمال السودان، تستجدي النصارى ليرفعوها من قائمة الإرهاب، لأنها نجحت في تقسيم السودان، وطعنته في خاصرته الجنوبية، طعنة نجلاء، حتى تتفرغ لتطبيق قوانين سبتمبر المهينة المذلة ، على أهل الأقاليم الباقية،ولكن شعبنا العظيم الواعي، لن يضلل بعد اليوم، فقد جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
نحن نعتقد ان القرآن يقوم على الكرامة والمساواة، وهذا أمر لا يظهر إلا بتأويل القرآن، والذي نحن بصدده منذ حين من الوقت، وليس هذا مقام الخوض فيه، وإن كنا نعلم سلفا، أن التأويل غالب، وإن كان الكثيرون لا يعلمون ذلك: " ولنعلمه من تأويل الأحاديث، والله غالب على امره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون"

ثالثا : آيات تتحدث عن الربا


لقد وردت كلمة الربا مذمومة، في بضع آيات من القرآن الكريم ، أوضحها في التخلي عن التعامل بالربا قوله تعالى : " يا أيها الذين أمنوا، اتقوا الله، وذروا ما بقي من الربا، إن كنتم مؤمنين" إذن ترك الربا عبادة، يخاطب بالتخلي عن المعاملة بها، كل مؤمن تقي، وكما هو واضح من الآية فإن الربا قد كان ضربا من المعاملات المعروفة لدى المخاطبين، وهي تلك المعاملة التي يستغل فيها الغني حاجة الفقير لقوت يسد رمقه، أو لأية حاجة من الحاجات الضرورية للحياة، فيقوم الغني بإقراض الفقير المحتاج بعض النقود ، يستردها آجلا بزيادة متفق عليها بين الطرفين، وهذا أمر كان معروفا في كل العالم القديم.
ماذا يحدث إذا لم يفعل المؤمن التقي، أن يذر ما بقى في ذمته من الربا؟ لأن الربا عبادة، فإن الإمتناع عن تنفيذ أمر الآية، يعني حرب الله ورسوله، وليس حرب الناس، لأن العبادة معاملة بين الرب والعبد، يكون الرسول ، وسيطا فيها، كما أنه يقتضي التوبة، لأن العبادة معاملة بين العبد والرب، يكون الرسول وحده شهيدا عليها، دون وسيط كهنوتي، وهذا هو عين ما ورد في قوله تعالى : " فإن لم تفعلوا، فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون، ولاتظلمون"
إذن الربا في الإسلام يختلف إختلافا كليا عن نظام الفوائد المصرفية ، التي تتبعه البنوك الحديثة في الإستثمار والمعاملات التجارية المختلفة والتي في جملتها معاملات بين الأغنياء، بعضهم بعضا، وليس معاملات بين الغني والفقير، كما هو الحال في الربا... وكما هو معلوم ، فإن ضروب المعاملات البنكية شتى، ولكنها في غالب الأمر، تقوم على منح قروض بضمانات معينة وتسترد مؤجلا بفوائد متفق عليها ، تقدر قيمتها حسب اوضاع السوق، ولهذا السبب في إن رأس المال غير ثابت، لطبيعة المعاملات، ولأن النقود نفسها، بمفهومها الحديث ، مجرد سلعة تتذبذب قيمتها من وقت آخر، حتى دون الدخول في أية معاملة تجارية... هذا الوضع يجعل قوله تعالى : " فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ، ولاتظلمون" مقصودا به الربا بمعناه الثابت القديم، وليس مقصودا به، الفوائد المصرفية، بمعناها الحديث.
ولكن دعاة الإسلام ، في عصرنا الحاضر، أنشأوا نظاما اشنع من المعاملات الربوية القديمة اسموه المصارف الإسلامية، يقوم على عقود صورية وهمية، تحول العلاقة بين العميل والبنك، من مقترض "مدين" ومقرض "دائن" إلى بائع ومشتري، وهو أمر خلاف الواقع بل هو محض تضليل، جاز علينا نحن البشر، ولكنه لا يجوز على الله العلي القدير... ثم إن دعاة الإسلام استعاروا لتجويز هذا التضليل وتغطيته عبارات فقهية عتيقة، مثل المرابحة والمضاربة والإستصناع... الخ
على سبيل المثال إذا كنت تريد شراء سيارة مثلا، فإن البنك الحديث يقوم بإقراضك ثمن السيارة، ويسترده منك بالأقساط، لمدة معينة ، وبفوائد معينة، وبضمان معين.. أما البنك الإسلامي، فيقوم بتحويل نفس علاقة المقترض والمقرض، إلى علاقة بائع ومشتري، عن طريق عقد صوري بين البنك والعميل على شراء نفس السيارة، ولكن بزيادة على سعر السيارة الأصلي، وبذلك يتحصل البنك الإسلامي على ارباح تفوق الربا أضعافا مضاعفة.
وما يقال عن المرابحة ، يقال عن المضاربة والإستصناع، وغيرها، لأن البنك ليس مقاولا وليس بائعا، ولكنه يختلق كل تلك الأدوار الوهمية للحصول على الأرباح الوفيرة، دون ان يسميها ربا.
إذن الربا، بمفهومه الأصلي الوارد في القرآن، لا يحتاج لقانون، ولا لدولة، ولا لحكومة إذ انه مجرد ضرب من ضروب العبادة، يتقي فيها المؤمن الغني، إستغلال حاجة أخيه الفقير، ويتوب إلى ربه، إن وقع منه ذلك الفعل الشنيع.

آيات يفهم منها الأمر بالحكم بما انزل الله


أول ما يقال في هذا الصدد أن الفعل ( حكم) قد ورد في سائر آيات القرآن بمعنى فصل وقضى، وليس بمعنى الحكومة بأية حال من الأحوال، إذ انه لايوجد اي نظام للحكومة في القرآن الكريم، ويعرف هذا حق المعرفة، كل من يعرف القرآن، ويعرفه القرآن!! بل يعرف هذا كل من يعرف القانون، وأنظمة الحكم.
تأمل مليا الآيات الكريمات: " والله يحكم لا معقب لحكمه" و " أليس الله بأحكم الحاكمين" و " فاصبر لحكم ربك" ... الا تدل كلها جميعها، على قضاء الله وقدره، وفصله في جميع الأمور دون معقب، فأين الدستور، وأين الحكومة الحكومة هنا!!
قد يقول قائل، أين قوله تعالى: " إن الحكم إلا لله" ... ليس الأخوان المسلمون في مصر وصنوهم الجماعة الإسلامية في باكستان، ومن تبعهم في السودان وغيره، أول من قال بالحاكمية لله، فقد سبقهم إلى ذلك اسلافهم من الخوارج، فرد عليهم، باب مدينة العلم علي بن أبي طاب بحصافته المشهودة، بانها كلمة حق أريد بها باطل.
ووجه الحق أن الحكم لله، بمعنى تفرد الذات العلية، بإرادة مهيمنة، على الوجود، ووجه الباطل، ان الخوارج لا يمثلون الله العظيم!! فهل يمثل حكام الخرطوم، وهم على ما هم عليه الله العظيم؟؟ اللهم لا.
إن عبارة : (إن الحكم إلا لله لله) حيثما وردت في القرآن، فإنها ترد لتوكيد إرادة المريد الواحد، على لسان كبار الأنبياء.. فقد وردت مرة لسان نبي الإسلام العظيم، في سورة الأنعام، وهو يعلم الناس، الإمتثال لقضاء الله، الذي هو خير الفاصلين، والنبي الكريم على بينة من ذلك كما هو واضح من نص الآية.
ومرة على لسان يوسف الصديق، وهو يرسخ وحدة الفاعل، لصاحبي السجن، و يعلم الناس اسرار الرضا بحكم الله في الوجود... ومرة على لسان أبيه نبي الله يعقوب ، وهو يعلم الناس فنون التوكل على الله، والصبر على ما تجريه إرادة الله، في فقد الأحباب، وكان ذلك في سورة يوسف أيضا... تلك السورة العظيمة، التي دفن الله تحت جدارها، كنز التأويل... في جميع هذه المواضع، كانت الإشارة بقوله ( إن الحكم إلا لله) إلى قبول إرادة الله، والرضا بقدره دون إشارة إلى حكومة ، أو قانون.
وفي الحق، فإن التسليم للنبي الكريم، ولرأيه ولقضائه، دون أدنى حرج في الصدور، أمر لايتفق إلا لخاصة العارفين ، من أولي الألباب، المعمورة قلوبهم بأنوار الإيمان : " فلا وربك لا يؤمنون، حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" فهل يريد حكام الخرطوم من أهل شمال السودان، الا يكون في صدورهم حرج من قضاء محاكم سبتمبر!! إذا كان الأمر كذلك فما معنى وجود محكمة الإستئناف، وما معنى المحكمة العليا، وما معنى المحكمة الدستورية، التي ينقض أعلاها حكم أدناها دون حرج؟؟
إن الآية الكريمة، ليست لها علاقة بالحكومة، وإنما هي إشارات ، يفهمها كل من كان قلبه عامرا بالإيمان، خاليا من التصاوير، فتتفق له بمحض الفضل الإلهي، الرؤية العرفانية، المطابقة تمام الإنطباق مع رؤيته عليه السلام ، فلا يكن في صدر المؤمن صحيح الإيمان، أدنى حرج من أي حديث ، بل من أية كلمة نسبت نسبة صحيحة، لنبي الإسلام العظيم.
ثم ماذا من شأن الآية الكريمة: " ومن لم يحكم بما أنزل الله ، فأولئك هم الفاسقون" ونجيب على هذا، بأن الآية الكريمة، فد وردت في حكم أهل الأنجيل : " وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الفاسقون" فهل يريد حكام الخرطوم وقبيلهم، ان يحكموا بما أنزل الله في الإنجيل؟ وهل هم أهل الإنجيل؟
إن الإنجيل مواعظ أخلاقية، تحكي قصة السيد المسيح، كما رواها الحواريون؟ فهل يمكن جعل تلك القصة وما فيها من مواعظ، دستورا وقانونا، وحكومة؟ اللهم لا
وقد يحتج محتج، بقوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله ، فأولئك هم الكافرون" ونجيب بأن الآية الكريمة، قد وردت في الحكم بما أنزل الله، في التوراة، كما هو بائن من مطلعها: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، بما إستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"
هنا تطرح عدة أسئلة.. أولها: واضح أن الآية تتحدث عن أسرار إرادة الله وقضائه في الوجود، التي لا يحكم بها إلا النبيون الذين حققوا التسليم لله، وأسلموا لوجهه العظيم، ولإرادته القاهرة، قبل ظهور إلاسلام : ( النبيون الذين أسلموا) .. فهل حكام الخرطوم وقبيلهم من النبيين الذين أسلموا، حتى يحكموا بما أنزل الله؟؟ بل هل حكام الخرطوم وقبيلهم من الربانيين والأحبار، ومن هم الربانيون؟؟ أو ليسوا هم الذين قال الله فيهم : " كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" ... هل حكام الخرطوم وقبيلهم من الذين هادوا؟
يتضح من السرد أعلاه، ان حكام الخرطوم وقبيلهم ليسوا ربانيين، كما انهم قطعا ليسوا أحبارا، حبروا العلم تحبيرا، ودرسوه دراسة، قبل ان يقوموا بإغراء وتحريض نفر من الضباط للحنث باليمين الدستورية، والتنكر للقسم العظيم، على كتاب الله الكريم، بغرض تنفيذ إنقلاب عسكري، تسفك فيه الدماء، وتهدر فيه الحقوق.... ومن المؤسف حقا، أن حكام الخرطوم وقبيلهم مازالوا يصرون على هذا الحنث العظيم، بعد أن أترفتهم أموال الشعب المغلوب على أمره: " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين* وكانوا يصرون على الحنث العظيم"
إذن الآية تتحدث عن الحكم بما أنزل الله في التوراة، وهو أمر من الدقائق العرفانية، ولم يكن معلوما عند اليهود، حتى ردهم النبي بقول الله الخالد:
"
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله"
وما هو حكم الله المكتوب في التوراة؟
أوليس هو الحكم بالعدل، والذي تقوم به الدولة الحديثة، وتطور في مفهومه، وتسد النقص فيه في كل يوم جديد، وهل حكام الخرطوم وقبيلهم شهداء على كتاب الله أو لا يعلم هؤلاء ان الذي عنده علم الكتاب، هو وحده الذي يكون شهيدا، بشهادة الله: " قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب"
وهل يعلم هؤلاء ، ان الذي عنده علم من الكتاب تفوق مقدرته مقدرة سليمان الحكيم، كما هو واضح من قوله: " قال الذي عنده علم من الكتاب ، انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" كيف يجعل حكام الخرطوم وقبيلهم كل هذه المسائل التي جرت بين سليمان وبين الذي عنده علم من الكتاب، وبين سليمان وملكة سبأ، ، موضوعا لدستور أوقانون، أو حكومة.
ومن حسن التوفيق، ومن حسن الفأل، ان حكام الخرطوم وقبيلهم لا يستطيعون ، ان يستدلوا بقوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الظالمون" فقد جربهم شعب شمال السودان ، أكثر من عشرين عاما، فمل ير منهم إلا الظلم والفساد والمحسوبية، وتشريد الموظفين، في ظلم لم تشهده الخدمة المدنية في السودان في جميع العهود. إن الظلم والفساد الإداري، وإستغلال النفوذ، أمور تشهد عليها تقارير المراجع العام لجمهوريتهم الإسلامية، وتشهد عليها أيضا، قصورهم الباذخة، وسياراتهم الفاخرة وأموالهم الطائلة خارج البلاد وداخلها. من أين لهم هذا، وجميعم مجرد موظفين عاديين؟
ومهما يكن من أ مر ، فإن الحكم بما أنزل الله في التوراة مكتوب في القرآن، في فحوى العدالة والإنصاف... إقرأ قوله تعالى: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الظالمون"
هل تحقيق الإنصاف والمساواة، يحتاج إلى دولة دينية؟ ألا تقوم بذلك أية دولة مدنية ، متوسطة الحال، بعد أن تقوم بتنقية مفهوم القصاص من خلفيته التاريخية المربوطة بالرق والإستعباد: " كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد" ؟
وهل يعلم حكام الخرطوم وقبيلهم، أن إقامة التوراة والإنجيل، والحكم بما أنزل الله، مثل إقامة الصلاة الكبيرة، ومثل إقامة الحج الأكبر، خشوع و سجود، وتبتل وتلبية، وتدبر وتذكر وتفكر وتأمل.... ومن لم يفعل ذلك، فهو ليس على شئ: " قل ياأهل الكتاب، لستم على شئ حتى تقيموا التوراة، والإنجيل "

آيات تتحدث عن قوامة الرجال على النساء

مما لا شك فيه، ان ظاهر آيات القرآن قد جعلت الرجال أوصياء على النساء، كما هو واضح من قوله: " الرجال قوامون على النساء" ولكن حكام الخرطوم يقولون إن المرأة تساوي الرجل، قد عينوها وزيرة وعينوها قاضية، مما يعني أنهم لا يودون تطبيق هذه الآية وأخواتها مثل قوله تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين ، فرجل وأمرأتان ممن ترضون من الشهداء" ومثل قوله تعالى :" وقرن في بيوتكن" ومثل قوله تعالى :" واللاتي تخافون نشوزهن ، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"
إذن جميع هذه الآيات مستبعدة من قاموس الحكومة الإسلامية... إن لجميع هذه الآيات مكانة سامية في التأويل الذي يصرفها عن المعنى الظاهر، ولكن هذا ليس هو موضوعنا الآن.

آيات وردت فيها عبارة حدود الله، وآيات وردت فيها عقوبات لبعض المخالفات.

من الغريب والممتع حقا، ان نلاحظ، أن عبارة " حدود الله" قد وردت أربع عشرة مرة في القرآن، دون إشارة إلى عقوبة قطع اليد ، أو الجلد، او الصلب.
ذكرت عبارة حدود الله مرة في سورة المجادلة: " ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وتلك حود الله" مما يدل على أن حدود الله مسألة عرفانية متعلقة، بالإيمان بالله ورسوله.
ذكرت عبارة حدود الله مرتين في سورة التوبة: " الأعراب أشد كفرا ونفاقا، وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله" وكما هو واضح فإن الآية متعلقة بالمعارف الدقيقة في التوحيد، إذ انه لا يوجد قانون، تكون طائفة من الناس غير جديرة بالعلم به... هذا فضلا عن الآية الكريمة لم تتعرض للقانون أصلا.. والمرة الثانية قوله تعالى : " والحافظون لحدود الله ، وبشر المؤمنين" توكيد شديد لما ذهبنا إليه.
ذكرت عبارة حدود الله مرتين في سورة الطلاق، ومرتين في سورة النساء في مواضيع تتعلق بالطلاق والميراث... ثم ذكرت عبارة حدود الله سبع مرات في سورة البقرة، في مواضيع تتعلق بالصيام والطلاق، ولاعلاقة لها بالعقوبات والقوانين، وإنما هي مواضيع عرفانية، سبق أن بسطنا فيها القول ، فليراجعها من يشاء في مظانها.
أما العقوبات المذكورة في سورتي النور والمائدة، فهي ليست حدود الله، كما هواضح من صريح النصوص في السورتين الكريميتين، وقد إعتبرها الفقهاء حدودا، كمصطلح مأثور في السنة التي عالجت تلك العقوبات.
ففي سورة النور ورد قوله: " الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" ونحن نقول أن هذه العقوبة عقوبة مرحلية، وسندنا في ذلك انها مربوطة بالرق المرحلي، إذ ان الحد يكون خمسين جلدة في حق غير الحرة، كما هو منصوص عليه في سورة النساء: " فإذا احصن، فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" وقد جرى تطبيق ذلك بصورة متواترة ، لا خلاف عليها بين جميع الفقهاء، وهناك تفاصيل كثيرة في كتب الفقه، والتي تأمر ببيع الإماء، ولو بحبل من شعر، في حالات تكرار الزنا والعقوبة المذكورة، كما يحدثنا إبن كثير وغيره، بإتفاق الجمهور... فهل يريد حكام الخرطوم وقبيلهم الرجوع بالبشرية إلى عهود النخاسة؟
وسندنا – إلى جملة أسباب أخرى - ان هذه العقوبة مربوطة بالجهاد المرحلي وبالتعذيب المرحلي أيضا.
وما يقال عن هاتين الآيتين، يقال عن آية القذف الواردة في سورة النور: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة"
فهل يريد حكام الخرطوم وقبيلهم تطبيق هذه العقوبة ، بالتمييز بين الحرة وغير الحرة؟
أما في سورة المائدة، فقد ورد قوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا، ان يقتلوا، أو يصلبوا، اوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، او ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا"
واضح العلاقة بين الاية الكريمة والجهاد المرحلي، فهو صلب وتقطيع وبتر ، ونفي من الأرض... إلى أين تنفي الدولة الحديثة المجرمين؟ داخل حدودها أم خارجها؟ ولماذا ؟ من أجل الخزي في الدنيا... هل هذه عقوبة، ام هو التنكيل والتعذيب المربوط بالجهاد المرحلي.
هل تريد حكومة شمال السودان القيام بكل هذا؟
أما الموضع الثاني في سورة المائدة فهو قوله: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم * فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه، إن الله غفور رحيم"
ولا تخفى على لبيب العلاقة العضوية بين هذه العقوبة والجهاد المرحلي، فهي تنكيل وتعذيب، والجدير بالذكر أن مقدار الحد الذي يوجب القطع غير مذكور في القرآن، ممما يدل على مرحلية العقوبة، ثم أن ربط العقوبة بالتوبة، يثبت انها أمر من امور العبادات والأديان، وليس من أمور الدول العقوبات.
أما بعد،
هل تريدون الحق، إن فكرة الحكومة الإسلامية، فتنة كبرى لأنها فكرة خاطئة، لاسند لها في القرآن الكريم، ودعاة الإسلام يتحدثون عن آيات قليلة، دون فهم ، ودون دراسة.
إن وظيفة الحكومة في الدولة الحديثة، هو القيام بحاجات الناس في التعليم والصحة والبنى التحتية والمنشآت الأساسية كالمطارات والموانئ والطرق والمجاري والحدائق وتنظيم المدن، والمرافق العامة والإتصالات وتنظيم أمور معاش الناس وإقتصادهم وتوفير الموارد المالية لذلك ووضع الميزانيات وتنظيم أمور البيوع والشراء، وما إليها وفوق ذلك حفظ امن المواطنين في النفس والمال.
هل تحتاج هذه المسائل إلى قانون إسلامي ودولة دينية؟ إنها جميعها مسائل مدنية، تنظم بالمجهود البشري، في كفاءة وإقتدار. جميع هذه الأمور ينظمها العقل البشري، في كل يوم جديد، لأنها تخضع لسنة التطور، شأنها شأن سائر أمور الدنيا .
لا توجد قوانين إسلامية، وقوانين غير إسلامية... هل هناك قانون مرور إسلامي، وقانو ن مرور غيرإسلامي؟ وقل مثل هذا في سائر القوانين الحديثة.

و للحديث صلة وعلى الله قصد السبيل

بدرالدين يوسف دفع الله السيمت

كتبه في البحرين في يوم الجمعة غرة ربيع الأول 1423 هجرية
يوافق الرابع من فبراير 2011

ويمكن الوصول إليه في جميع الأوقات على البريد الإلكتروني: